التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الرجل للرجل: اخسأ

          ░97▒ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: اخْسَأْ.
          ذكر فيه حديث ابن صَيَّادٍ مِن طريق ابن عبَّاسٍ وابن عُمَر ♥ فقال:
          6172- حَدَّثَنا أبو الوليدِ، حَدَّثَنا سَلْمُ بن زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، سَمِعْتُ ابن عبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم لِابْنِ صَائِدٍ: (قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّخُّ، قَالَ: اخْسَأْ).
          6173- 6174- 6175- ثمَّ ساق حديث ابن عُمَر ☻ أنَّه ◙ قال لابن صيَّادٍ: (اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ..) الحديثَ بطوله.
          و(اخْسَأْ): زَجْرٌ للكلبِ وإبعادٌ له وطرْدٌ، يُقال: خَسَأتُ الكلبَ: طَرَدْتُهُ. وخَسِئ الكلْبُ بنفسهِ، يتعدَّى ولا يتعدَّى. هذا أصلُ هذه الكلمة عند العرب، ثمَّ استُعملت في كلِّ مَن قال أو فعلَ ما لا ينبغي له، ممَّا يُسخط الله تعالى.
          قال صاحب «الأفعال»: يُقال: خَسَأْتُ الكلب فَخَسأ أي: زَجَرَهُ فبعُد.
          وفي القرآن: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] أي: مُبْعَدين، وقال تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] أي: ابعدوا بُعْدَ الكلابِ ولا تكلِّمونِ في رَفْعِ العذاب عنكم فكلُّ مَن عصى الله تعالى سَقَطَت حُرْمته، ووجَبَ خِطَابه بالغِلْظة والشدَّة والذمِّ له لينزِعَ عن مذهبهِ ويرجِعَ عن قبيح فعْلِهِ.
          فَصْلٌ: قوله: (ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَضَّهُ رسول الله صلعم).
          قال ابن بطَّالٍ: مَن رواه بالضاد فمعناه: دفعَهُ حتَّى وقع فتكسَّر، يُقال: رضَّ الشيءَ فهو رَضِيضٌ ومَرْضُوضٌ إذا انكسرَ، ومَن رواه بالصَّاد فمعناه: رَصَّه حتَّى دخل بعضُهُ في بعضٍ، يُقال: رصَّ البُنيان، والقوم في الحرب رصَّاً إذا قَرُبَ بعضها إلى بعضٍ وقرَّبها، ومنه قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].
          وعبارة ابن التِّين: (فَرضَّهُ): رفضه.
          وقال الخطَّابيُّ: وقع هنا بضادٍ مُعجمةٍ وهو غلطٌ، والصَّواب بالصَّاد أي قبضَ عليه بيدهِ، يضمُّ بعضه إلى بعضٍ. وقيل معنى المعجمة: دفعُهُ.
          فَصْلٌ: فيه أنَّ الله لم يُطلِع نَبيَّه على الدَّجَّالِ متى يخرجُ في أمَّته، وأخفى عنه ذلك لِمَا هو أعلم به، فلا عِلْم لنبيٍّ مُرْسَلٍ ولا مَلَكٍ مُقرَّب إلَّا بما أعلمَهُ الله به، ولذلك قالت الملائكة: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32].
          فَصْلٌ: قوله: (خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئَا) على وزن فَعَلَ، وهو ماضٍ، وكذلك الخَبْء.
          فَصْلٌ: والرَّهط: دون العَشَرةِ وليس معهم امرأةٌ، والأُطُم: يُثقَّل ويُخفَّف، والجمع: آطامٌ، وهي قصورٌ لأهل المدينة، وقال الدَّاوُدِيُّ: هو القَصْرُ والمكانُ المرتفعُ.
          وقوله: (ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ) قال الدَّاوُدِيُّ: يحتمل أن يريد ليخرجَ الله ما يسرُّ على لسانهِ.
          فَصْلٌ: وقوله: (هُوَ الدُّخُّ) قال الدَّاوُدِيُّ: كان ◙ خَبَّأ له سورة الدُّخَانِ في يده مكتوبةً فأصاب بعض الكلمة، وهذا كأنَّه مِن استراقِ الجنِّ السَّمع فَيُلقون ذلك إلى الكَاهِن، فيكذِبُ ويَخْلِط معها. قال: وهو معنى قوله: (خُلِطَ عَلَيْكَ).
          وقال القزاز: (الدُّخُّ): الدُّخَان وكذا قاله ابن فارسٍ، وقال الجَوْهرِيُّ: (الدُّخُّ): بالضمِّ لغةٌ في الدُّخَان.
          فَصْلٌ: قوله: (إِنْ يَكُنْ هُوَ لَا سَبِيْلَ لَكَ عَلَيْهِ) يعني: الدَّجَّال الذي يزعُمُ أنَّه ربٌّ فلم يُسلَّط عليه لأنَّ له أعمالاً وقد يبلغُها.
          وقوله: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ) فلأنَّه يومئذٍ صغيرٌ ليس مِن أهل التكليف ويُرجى إسلامه، وقيل: إنَّه أسلم، قاله الدَّاوُدِيُّ، وأورده ابن شَاهِينٍ في الصَّحابة وقال: هو عبد الله بن صَائدٍ، كان أبوه يَهُوديَّاً فولد عبد الله أعورَ مختوناً. وقيل: إنَّه الدَّجَّال، ثمَّ أسلمَ فهو تابعِيٌّ، له رؤيةٌ. وقال أبو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ: صَحِبني ابن صَيَّادٍ إلى مَكَّة، فقال: لقد هممتُ أن آخذ حَبْلاً فأُوثِقَهُ إلى شجرةٍ ثمَّ أختنق ممَّا يقول النَّاس فيَّ. وذكر الحديث وهو في مُسْلمٍ.
          فَصْلٌ: قوله: (يَؤُمَّانِ النَّخْلَ) أي: يَقْصِدانها، يُقال: أمَّه وأمَّمه وتأمَّمه أي: قَصَدَه.
          وقوله: (وَهُوَ يَخْتِلُ) أي: يختالُ، قاله الدَّاوُدِيُّ، وقال أهل اللغة: الخَتْلُ: الخدع.
          وقوله: (فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَة أَوْ زَمْزمةٌ) قال الدَّاوُدِيُّ: شكَّ المحدِّثُ أيَّهما قال، وهو الصَّوت الذي لا يُفهم كالهَيْنَمة، وفي «الصِّحاح»: رَمْرَمَ إذا حرَّك فاه بالكلام. وقال في باب الزاي: الزَّمْزَمةُ: صوتُ الرَّعْد، عن أبي زيدٍ. والزَّمْزَمة: كلام المجوس عند أكلهم. قال الدَّاوُدِيُّ: ويُروى: زمزة وزمرة. وكان يَسْتَلْقِي على ظَهْره ويُسجي تشبيهاً بفعله ◙.
          وفي الحديث: أنَّ الله تعالى لم يُعلم نبيَّه متى يخرجُ الدَّجَّال في أُمَّتِهِ؟ وأخفى عنه ذلك لِمَا هو أعلم به.