التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحب في الله

          ░42▒ بَابُ الحُبِّ فِي اللَّهِ.
          6041- ذكر فيه حديث أَنَسٍ ☺ قال: قال رسول الله صلعم (لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ ╡، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا).
          هذا الحديث سلف في الإيمان [خ¦16].
          ومعنى: (أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) أي: أنَّه يحبُّهُما أشدَّ مِن نفسِه ومِن جميعِ الخَلْق، وصِفةُ التَّحابِّ في الله أن يكون كلُّ واحدٍ منهما لصاحبِهِ في تواصلُهِما وتحابِّهما بمنزلة نفسه في كلِّ ما نابه، كما روى الشَّعْبِيُّ عن النُّعْمَان بن بَشِيرٍ قال: سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((مَثَلُ المؤمنين كَمَثل الجَسَدِ، إذا اشتكى منه شيئاً تَدَاعى له سائر الجسد))، وكقوله ◙: ((المؤمِنُ للمؤمن كالبُنْيَان يشدُّ بعضُهُ بعضاً)) سلف قريباً [خ¦6026]، وروى شَرِيكُ بن أبي نَمِرٍ، عن أنسٍ مرفوعاً: ((المؤمِنُ مِرْآةُ المؤمن)). ورواه عبد الله بن أبي رافِعٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺ مرفوعاً بزِيَادة: ((إذا رأى فيه عَيْباً، أَصْلَحَهُ)).
          قال الطَّبَرِيُّ: فالأخُ المؤاخِي في الله كالذي وصفَ به الشارع المؤمنَ للمؤمنِ في أنَّ كلَّ واحدٍ منهما لصاحبه بمنزلة الجسد الواحد؛ لأنَّ ما سرَّ أحدهما سرَّ الآخر، وما ساء أحدهما ساء الآخر، وأن كلَّ واحدٍ منهما عونٌ لصاحبه في أمر الدُّنْيَا والآخرة كالبُنيان، وكالمرآةِ له في توقيفهِ إيَّاه على عيوبهِ ونصيحته له في المشهد والمَغِيب، وتعريفه إيَّاه مِن خطئِهِ وما فيه صلاحُهُ ما يخفى عليه. وهذا النوع في زمننا هذا أعزُّ مِن الكبريت الأحمر، وقد قيل: هذا قبلَ هذا الزَّمان، كان يُونُس بن عُبَيْدٍ يقول: ما أنت بواجدٍ شيئاً أجلَّ مِن أخٍ في الله أو دِرْهَمٍ طَيِّبٍ.
          فإن قلت: الحبُّ في الله والبُغض فيه أواجبٌ أم فَضْلٌ؟ قيل: بل واجبٌ، وهو قول مالكٍ، يدلُّ له رواية الأعمشِ، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺ مرفوعاً: ((والذي نفسي بيدي لا تَدْخُلون الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تَحَابُّوا، ألَّا أدلُّكم على أمْرٍ إذا فَعَلْتُمُوه تَحَاببتم، أفشوا السلام بينكم)) وما أمَرَهم فعليهم العمل به، أَلَا تَرَى أنَّه ◙ أقسَمَ حقَّ القَسَم بما ذكر، فحقيقٌ على كلِّ ذي لبٍّ أن يُخلِصَ المودَّةَ والحبَّ لأهل الإيمان، فقد رُوي عن رسول الله صلعم: ((إنَّ الحبَّ في الله والبُغض فيه مَن أوثَقِ عُرَى الإيمان)) مِن حديثِ ابن مَسْعُودٍ والبَرَاء.
          ورُوي عن ابن مَسْعُودٍ قال: أوحى الله تعالى إلى نبيِّ مِن الأنبياء أنْ قُلْ لفُلَانٍ الزَّاهد: أمَّا زُهدكَ في الدُّنْيَا فتعجَّلت به راحَةَ نفسكَ وأما انقطاعُكَ إليَّ فقد تعززَّتَ بي فماذا عملِتَ فيما لي عليك؟ قال: يا ربِّ، وما لك عليَّ؟ قال: هل واليتَ فيَّ وليًّا، أو عاديْتَ فيَّ عَدُوًّا؟.