التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه

          ░29▒ باب إثمِ مَن لَا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقهُ.
          {يُوبِقْهُنَّ} [الشورى:34]: يُهلِكْهُنَّ. {مَوْبِقًا} [الكهف:52]: مَهْلِكاً.
          6016- حَدَّثَنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، خُويلد بن عَمْرٍو _في أحد الأقوال الخزاعيُّ العَدويُّ عَدِيُّ بن عَمْرو بن لُحَيٍّ أخو كعْبِ بن عَمْرٍو مات سنة ثمانٍ وستِّين_ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ، تَابَعَهُ شَبَابَةُ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَقَالَ حُمَيْد بْنُ الأَسْوَدِ، وَعُثْمَان بْنُ عُمَرَ، وَأبو بكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
          الشَّرح: حديث أبي شُرَيحٍ مِن أفراده، وحديث أبي هُرَيْرَةَ أخرجه مُسلمٌ بلفظ: ((لا يدخل الجَنَّة مَن لا يأمَنُ جاره بَوَائِقَه)) قال قَتَادَةُ: بَوَائِقَهُ: ظُلمه وَغَشْمَهُ. وقال الكِسَائيُّ: غَوَائِلَه وشَرُّه.
          قال: والبَائِقَةُ: الدَّاهية، وانْبَاقَت عليهم بائقةُ شرٍّ مثل انْبَاجَت وانْفَتَقَت، وانْباقَ عليهم الدَّهْر: هَجَم عليهم بالدَّاهية كما يجب الصَّوت مِن البُوق.
          وهذا الحديث شديدٌ في الحضِّ على ترك أذى الجار، أَلَا تَرَى أنَّه ◙ أكَّد ذلك بقسمِهِ ثلاث مرَّاتٍ أنَّه لا يؤمن مَن لا يأمَنُ جاره بوائقه، ومعناه: أنَّه لا يؤمن الإيمان الكامل، ولا يبلغ أعلى درجاتهِ مَن كان بهذه الصِّفَة، فينبغي لكلِّ مؤمِنٍ أن يحذرَ أذى جارَهُ ويرغب أن يكون في أعلى درجات الإيمان وينتهي عمَّا نهاه الله ورسوله عنه، ويرغبَ فيما رضياه وحضَّا العباد عليه.
          وقال أبو حازمٍ المُزَنيُّ: كان أهل الجاهليَّة أبرَّ بالجار منكم، هذا قائلهم يقول:
نَارِي وَنَارُ الجَارِ وَاحِدَةٌ                     وإليه قَبْلِي تُنزل القِدْرُ
ما ضرَّ جارًا إِنْ أُجَاوِرَهُ                     أن لا يكونَ لِبَابِهِ سِترُ
أَعْمَى إذا مَا جَارَتِي بَرَزَت                     حتَّى يُوارِي جَارَتِي الخِدْرُ