التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يجاهد إلا بإذن الأبوين

          ░3▒ بابُ لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِ الوَالِدَيْنِ.
          5972- ذكر فيه حديث حَبِيبٍ عن أبي العَبَّاس، عن عبد الله بن عَمْرٍو قال: قال رجلٌ للنَّبِيِّ صلعم: أأجاهِدُ؟ قال: (لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيْهِمَا فَجَاهِدْ).
          هذا الحديث سلف في الجهاد [خ¦3004]، وأبو العَبَّاس هو الشاعر كما صرَّح به هناك، واسمه السَّائب بن فَرُّوخٍ المكِّيُّ الأعمى روى له الجماعة، وحبيبُ هو ابن أبي ثابتٍ كما صرَّح به هناك، وهذا موافقٌ لحديث ابن مَسْعُودٍ أنَّ برَّ الأبوين أفضل مِن الجهاد لأنَّه رتَّب ذلك بـ ((ثمَّ)) الدَّالة على الرُّتبة، وهذا إنَّما يكون في وقت قُوَّة الإسلام، وغبلة أهله للعدوِّ إذا كان الجهاد مِن فروض الكِفاية، فأمَّا إذا قويَ أهل الشِّرك وضَعُف المسلمون _مَعَاذ الله_ فالجهادُ متعيِّنٌ على كلِّ نفسٍ ولا يجوز التخلُّف عنه، وإن منَعَ منه الأبوان.
          وقال ابن المنذر فيه: إنَّ النَّهي عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النَّفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع، وذلك بيِّنٌ في حديث أبي قَتَادَة أنَّه ◙ بعث جيش الأمراء، فذكر قصَّة زيْدِ بن حارِثَةَ وجَعْفَر بن أبي طالبٍ وابن رَوَاحةَ وأنَّ منادي رسول الله صلعم نادى بعد ذلك أنَّ الصَّلَاة جامعةً فاجتمع النَّاس، فحمَدَ الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: ((أيُّها النَّاس، اخرجوا فأمدُّوا إخوانكم ولا يَتخلفنَّ أحدٌ، فخرج النَّاس مُشاةً وَرُكْبَانًا في حرٍّ شديدٍ)). فدلَّ قوله: ((اخرجوا فأمدُّوا إخوانكم)) أنَّ العُذر في التخلُّف عن الجهاد إنَّما هو ما لم يقع النَّفير مع قوله ◙: ((وإذا اسُتنفرتم فانفِروا)).
          فَرْعٌ: اختُلف في الوالدين المشركين، فكان الثَّوْرِيُّ يقول: لا يغزُو إلَّا بإذنهما. وقال الشَّافِعِيُّ: له أن يغزو بغير إذنهما. وقال ابن المنذر: والأجداد آباءٌ والجدَّات أمَّهاتٌ، فلا يغزو المرء إلَّا بإذنهم، ولا أعلم دلالةً توجِب ذلك لغيرهم مِن الإخوة وسائر القراباتِ. وكان طَاوُسٌ يرى السَّعي على الأخوات أفضلَ مِن الجهاد في سبيل الله.
          ومعنى (فَجَاهِدْ): أي في طاعتهما وإبرارهما، فأمَّا إذا أذنا له في ذلك جاهِدْ، وذلك لأنَّ فرض الجهاد على الكِفاية وطاعتهما فرْضُ عينٌ، وذكر أنَّه ◙ قال: ((أهلُ الأعراف قومٌ قُتلوا في سبيل الله بمعصيةِ آبائهم، فمَنَعَهم مِن النار قتْلهم في سبيل الله)).