التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل صلة الرحم

          ░10▒ بَابُ فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ.
          5982- 5983- ذكر فيه حديث أبي أيُّوب: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
          وفي روايةٍ: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، فَقَالَ القَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ ◙: أَرَبٌ مَا لَهُ، فَقَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاة، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا، قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
          وقد سلف في أوَّل الزكاة [خ¦1396]).
          والآثارُ كثيرةٌ في فضل صِلة الرَّحِم منها ما ذكره الطَّبَرِيُّ بإسناده عن النَّبِيِّ صلعم قال: ((إنَّ الله ليُعَمِّر بالقوم الدِّيار ويُكثِّر لهم الأموال، وما نظرَ إليهم منذ خَلَقهم بُغضًا لهم)). قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((بصِلتِهم أرحامهم)). وقال ◙: ((إنْ أعجلَ الطاعةَ ثواباً صِلةُ الرَحِم حتَّى إنَّ أهل البيت يكونون فُجَّارًا تَنمى أموالهم ويكثُرُ عَدَدُهم إذا وصلوا أرحامهم))، وسأعقِدُ فَصْلاً لِمَا جاء في صِلة الرَّحم.
          فَصْلٌ: قوله: (أَرَبٌ مَا لَهُ) قال في «المجمل»: أَرَبٌ إذا تَسَاقطت أعضاؤه، فلعلَّه مثل ((تَرِبَت يداك)) وليس قصده الدُّعاء عليه بذلك، وهو على هذا بكسر الراء، قاله ابن التِّين، قال: وأبينُ مِن ذلك أنَّه مشتقٌّ مِن الحاجة تقول منه: أرِب بالكسر أيضاً، / فكأنَّه قال: أَرَب ما حاجتُهُ، وضبط الدِّمْيَاطِيُّ بخطَّه بالفتح.
          فَصْلٌ: قال عِيَاضٌ: لا خلاف أنَّ صلة الرَّحِم واجبةٌ في الجملة، وقطيعتها معصيةٌ كبيرةٌ.
          والصِّلة درجاتٌ، فأدناها ترك المهاجرة وصِلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القُدْرة والحاجة، فمنها واجبٌ ومنها مستحبٌّ، فلو وصلَ بعض الصِّلة ولم يَصِل غايتها لا يُسمَّى قاطعاً ولو قصَّر عمَّا يَقْدر عليه، وينبغي له أن يُسمَّى به واصلاً. قال: واختلفوا في حدِّ الرَّحِم التي يجب صلتها، فقيل: كلُّ رَحِمٍ مَحْرَمٍ بحيث لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى حرُمت مُناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام والأخوال، واحتجَّ هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها أو خالتها في النِّكاح ونحوه، وجُوِّز ذلك في بنات الأعمام والأخوال. وقيل: هو عامٌّ في كلِّ رَحِمٍ مِن ذوي الأرحام في الميراث، يدلُّ عليه قوله ◙: ((ثمَّ أدناكَ أدناكَ)).
          قال: وهذا هو الصَّواب، يدلُّ عليه قوله في أهل مِصرَ: ((فإنَّ لهم ذمَّةً ورَحِماً)). وقوله: ((مِن البرَّ أن يَصِل أهل ودَّ أبيه)) مع أنَّه لا محرميَّةَ بينهم.