التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو مازحها

          ░17▒ بَابُ مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا.
          5993- ذكر فيه حديث أمِّ خالدٍ: (سَنَهْ سَنَهْ). وقد سلَف [خ¦3071]، وفي آخره (أَبْلِي وَأَخْلِقِي) ثلاثاً، قال عبد الله: فَبَقِيت حتَّى ذكر.
          وسلف أنَّ (أَخْلِقِي) بالقاف والفاء، لأبي ذرِّ والْمَرْوَزِيُّ بالفاء، ولغيرهما بالقاف، مِن إخلاق الثَّوب، ومعناه: أن تَكسِبَ خلفه بعد بِلَاه، يُقال: خَلَف اللهُ لك خَلْفاً بخيرٍ، وأَخْلَفَ عليك خيراً، أي: أبدلكَ بما ذهبَ منك وعوَّضه عنه.
          وقيل: إذا ذهب للرِّجل ما يخلِّفُهُ كالمال والولد أَخْلَف الله لك وعليك، وإذا ذهب ما لا يخلِّفُهُ كالأبِ والأمِّ، قيل: خَلَفَ الله عليكَ.
          وقوله: (حَتَّى ذَكَرَ) وفي نسخة: <دَكِنَ> وهو لأبي الهيثم _أعني: بالنُّون_ وهو الذي رجَّح أبو ذرٍ، ولأكثر الرُّواة: (حتَّى ذَكَرَ) بالراء، زاد في رواية ابن السَّكَن: <ذَكَرَ دَهْراً> ومعنى <دَكِنَ>: اسوَدَّ لونه، والدُّكْنَة غُبْرة كُدْرةٍ، والأشبه بالصِّحَّة رواية ابن السَّكَن، قصد ذكر طول المدَّة ونسي تحريرها، فعبَّر أنَّه ذكر دهراً، وَدَكِنَ يَدْكَنُ دَكَناً فهو أَدْكَنُ بيِّنُ الدُّكْنَةِ.
          وقال ابن التِّين: قوله: (فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ) يقول إلى زمَنٍ طويلٍ، فيحتمل أي: إلى ذكْرِهِ لأنَّ (حَتَّى) بمعنى إلى أن فيقدِّرون أن، و(ذِكْر) مصدراً، ثمَّ ذكر رواية: <دَكِنَ>.
          وفيه مِن الفقه: جوازُ مباشرة الرجل الصَّغيرة التي لا يُشتهى مِثلُها وممازحتها، وإن لم تكن منه بذات مَحْرمٍ لأنَّ لعبَ أمِّ خالدٍ _وهي صبيَّةٌ_ بمكان خَاتَم النُّبوَّة / مِن جسدهِ الكريم مباشرةٌ منها له، ومباشرتها له كمباشرتهِ لها وتقبيله إيَّاها.
          ولو كان ذلك حراماً لنهاها كما نهى الحَسَن بن عليٍّ وهو صغيرٌ عن أكل التَّمرة الساقطة خشيةَ الصَّدَقة، وقد اختلف أصحاب مالكٍ في هذا الأصل في الصبيَّةِ الصَّغيرة تموتُ هل يغسِّلها الرَّجل غير ذي الرَّحِم منها؟ فقال أشهبُ: لا بأسَ أن يُغسِّلها إذا لم تكن ممَّن تُشتهى لصِغَرها، وهو قول عيسى بن دِيْنَارٍ، وقال ابن القاسم: لا يغسِّلُها بحالٍ، وقول أشهَبَ وعِيسى يشهَدُ له هذا الحديث.
          فَصْلٌ: قولها: (فَزَبَرَنِي أَبِي) أي: انْتَهَرني.
          وقوله: (ثُمَّ أَبْلِي) قال الدَّاوُدِيُّ: فيه أنَّ (ثُمَّ) تأتي للمُقاربة والتراخي، وأباه بعض النحويِّين وقالوا: لا تأتي إلَّا للتَّراخي، وليس في الحديث أنَّها للمُقاربة لأنَّه قال: (أَبْلِي) هذا القميص الأصفر، (وَأَخْلِقِي ثُمَّ، أَبْلِي) الإبلاء بعد مدَّةٍ مِن الخلق. قال ابن التِّين: وما علمتُ أنَّ أحداً مِن النَّحويِّين قال (ثمَّ) للمقاربة، إنَّما قالوا: هي للترتيب بالمُهْلة.
          قال: (وَأَخْلِقِي) ثلاثيٌّ، تقول: خَلُق الثَّوب إذا بَلِي فَرَقَعْتُهُ، فمعناه يرقَعُ ثلاث مرَّاتٍ هكذا اللُّغة، وقُرئ <أَخْلِفي> بفتح الهمزة مِن أَخْلَفَ الله عليك أي: ردَّ مثله إذا بَلِي، وقد سلف.
          فَصْلٌ: بوَّب عليه البُخَارِيُّ: القُبلة، وليس فيه ذلك إلَّا أن يكون أخذَه مِن القياس، فإنَّه لَمَّا مكَّنها مِن مسِّ جسدِهِ صار كالتَّقبيل.