التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: «خير دور الأنصار»

          ░47▒ بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ).
          6053- وذكر فيه حديث أبي الزِّنَادِ، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي أُسَيدٍ السَّاعدِيِّ قال: قال رسول الله صلعم: (خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ).
          هذا الحديث سلف [خ¦3789]، وأبو الزِّنادِ اسمه عبد الله بن ذَكْوانَ، وأبو سَلَمَةَ اسمه عبد الله بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ، وأبو أُسيدٍ _بالضمِّ_ اسمه مالكُ بن رَبِيعةَ.
          كذا ترجم، وأدخل فيه: (خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ، بَنُو النَّجَّارِ) وهو لائِحٌ.
          وأمَّا المُهَلَّب فذكره، وابن بطَّالٍ بحذف لفظ <دُورِ> ثمَّ قال: وإنَّما أراد أهل الدُّور، كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقوله: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يُوسُف:82] يريدُ أهلَها. قال: وقد جاء كذلك مصرَّحاً في غير هذا الموضع. قلت: بل هو هنا كذلك كما أسلفناه.
          وقال ابن قُتَيْبَة: الدُّور هنا: القَبَائلُ، يدلُّ عليه الحديث الآخر: ما بقي دارٌ إلَّا بُني فيها مسجِدٌ، أي: قبيلةٌ. وإنَّما استوجب بنو النَّجَّار الخيرَ لمسارعتهم إلى الإسلام، وقد بيَّنه الشارع في حديث الأقرعِ بن حابِسٍ، حين قال لرسول الله صلعم: ((إنَّما بايعك سُرَّاق الحجيج من طيءٍ وأسلَمَ وغِفَارَ)) _يريد تهجينَ هذه القبائلِ الضَّعيفةِ القليلةِ العددِ المُسَارِعةِ إليك لقِلَّتها وضعفها لتكثُرَ بك وبأصحابك، ولتُعزَّ مِن ذِلَّتها_ فقال ◙: ((أرأيتَ إن كانت أسلَمُ وغِفَارُ ومُزَينةُ خيراً مِن تميمٍ)) لمسارعتها إلى الإسلام، فاستوجبت بذلك ما أثنى الله عليها في القرآن بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} الآية [التوبة:100] فلذلك استوجبت بنو النَّجَّار بالمسارعة إلى الإسلام مِن الخيريَّة ما لم يستوجبه بنو عبد الأشهل المتباطئون بالإسلام.
          فإن قلت: ما وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الغِيبة؟
          قيل: معناه ظاهِرٌ، وهو أنَّه دالٌّ على أنَّه يجوز للعالِمِ المفاضلةُ بين النَّاس وينبِّه على فضل الفاضِلِ، ونقْصِ مَن لا يلحق بدرجتهِ في الفضل، ولا يكون ذلك مِن باب الغِيبة، كما لم يكن ذكره ◙ لغير بني النَّجَّار أنَّهم دون بني النَّجَّار في الفضل مِن باب الغِيبة. ومثل هذا اتَّفق المسلمون مِن أهل السُّنَّة أنَّ الصِّدِّيق أفضلُ مِن عُمَر، وليس ذلك غِيبةً لعمر ولا نقصاً له، وكذلك جاز لابن مَعِينٍ وغيره مِن أئمة الحديث تجريح الضُّعفاء، وتبيين أحوالهم خشيةَ التباس أمرِهم على العامَّةِ، واتِّخاذهم أئمَّةً وَهُم غير مُسْتحقِّين للإمامة.