التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب

          ░48▒ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اغْتِيَابِ أَهْلِ الفَسَادِ وَالرِّيَبِ.
          6054- ذكر فيه حديث عائِشَة ♦ السالف في باب لم يكن رسول الله صلعم فاحِشاً [خ¦6032].
          وقد سلف مَن هو الرجل المذكور. وكتبَ الدِّمْيَاطيُّ أيضاً بخطِّه أنَّه مَخْرَمَة بن نوفلِ بن أُهَيبِ بن عبد مَنَافِ بن زُهرة، والد المِسْوَر، وهذا الحديث أصلٌ في جواز غِيبة أهل الفساد، / أَلَا تَرَى قوله ◙ للرجل: (بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ) وإنَّما قاله لِمَا قد صحَّ عنده من شرِّه لقوله ◙ في آخر الحديث: (إِنَّ شَرَّ النَّاس مَنْ تَرَكَهُ النَّاس اتِّقَاءَ فُحْشِهِ). وسلف حُكمُهُ وإلانته له الكلام قريباً.
          وروى ابن وضَّاحٍ مُحَمَّد بن المُصَفَّى، حَدَّثَنا بقيَّةُ بن الوليد، عن الربيع بن يَزِيْد، عن أبانَ، عن أنسٍ مرفوعاً: ((مَن خلَعَ جِلْبابَ الحَيَاء فلا غِيبةَ فيه))، وفسَّره ابن سَعْدان، قال: معناه مَن عمِلَ عملاً قبيحاً كشفه للناظرين ولم يرعَ وقوفهم عليه، فلا بأس بذكره عنه مِن حيث لا يسمع لأنَّه كمن أَذِن في ذلك لكشفه عن نفسه، فأمَّا مَن استترَ بفعله فلا يحلُّ ذكره لمن رآه لأنَّه غير آذنٍ في ذِكْره وإن كان كافراً.
          وقد سُئل ابن وَهْبٍ عن غِيبة النَّصرانيِّ فقال: لا، لقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] وهو مِن النَّاس، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] فجعل هذا لهم مَثَلاً، وفي الحديث: ((اذكروا الفاسِقَ بما فيه كي يحذَرَهُ النَّاس)).
          قال ابن أبي زيدٍ: يُقال لا غِيبة في أميرٍ جائرٍ، ولا في صاحِبٍ بِدْعَةٍ يدعو إليها، ولا فيمن يُشاور في إنكاحٍ أو شهادةٍ أو نحو ذلك. وقد قال ◙ لفاطمةَ بنت قيسٍ حين شاورتهُ فيمن خطبها: ((إنَّ مُعَاوُيَة صُعْلُوكٌ لا مالَ له))، وكذلك رأت الأئمَّة أنَّ مَن يُقبل قوله مِن أهل الفضل يجوز له أن يبيِّن أمر مَن يخافُ أن يُتَّخذ إماماً فيذكُرَ ما فيه مِن كذبٍ أو غيبةٍ، ممَّا يوجب ترك الرواية عنه. وكان شُعْبَة يقول: اجلس بنا نَغْتَابُ في الله.
          فَصْلٌ: وقوله: (إِنَّ شَرَّ النَّاس مَنْ تَرَكَهُ النَّاس أَوْ وَدَعَه اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) معنى (تَرَكَ) وودع واحدٌ. قيل: ولا تُستعمل ودع إلَّا بالتشديد. قال سيبويه: استغنوا عن تخفيفه بترك، وفي الحديث الآخر: ((عن وَدْعِهُم الجُمُعة)).
          قال شَمِرٌ: زَعَمت النَّحويَّة أنَّ العرب أماتوا مصدر وَدَع وماضيه، والشارع أفصحُ.
          وفي الشاذِّ: {ما وَدَعَك}. وقال ابن فارسٍ: الوَدْعُ مصدرُ وَدَعْتُهُ، تقول: دعْ ذا.