التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين

          ░79▒ بابُ مَا لا يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ الحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ.
          ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          6121- أحدها: حديث زينبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ، عن أمِّ سَلَمَةَ قالت: (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ).
          هذا الحديث سلف في الغُسل [خ¦282]، رواه هناك: عن عبد الله بن يُوسُفَ، عن مالكٍ، عن هِشَامٍ، عن أبيه، عن زينبَ به، ورواه هنا: عن إسماعيلَ، عن مالكٍ، وهو ابن أبي أويسٍ عبد الله بن عُبَيْدِ اللهِ بن أُوَيسِ بن مالكٍ. روى عنه مُسلمٌ أيضاً، ورُوي أيضاً عن جماعةٍ عنه، وقال في البُيُوع: حَدَّثَنِي غير واحدٍ مِن أصحابنا قالوا: حَدَّثَنا إسماعيلُ. مات سنة ستٍّ وعشرين ومائتين.
          6122- ثانيها: حديث شُعْبَةُ، حَدَّثَنا مُحَارِبُ بن دِثَارٍ عن ابن عُمَر السَّالف في العِلْم وغيره [خ¦61] [خ¦2209]. وفيه (فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ).
          وعن شُعْبَة: حَدَّثَنا خُبَيبُ بن عبد الرَّحمن، عن حَفْص بن عاصِمٍ، عن ابن عُمَر مثله، وزاد: (فحدَّثتُ بِه عُمَرَ فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا).
          6123- ثالثها: حديثُ مَرْحُومٍ، _وهو ابن عبد العزيز أبو عبد الله العَطَّارُ، مولى مُعَاوُيَةَ بن أبي سُفْيَان_ قال: سمعتُ ثابتاً، أنَّه سمع أنساً يقول: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رسول الله صلعم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِيَّ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ الله صلعم نَفْسَهَا).
          وقد سلف أيضاً معنى قوله في حديث ابن عُمَر: (لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا): لا يَسقطُ مِن احتكاكِهِ بعضه ببعضٍ، تقول العرب: حتَّ الورقَ والطِّين اليابسَ مِن الثَّوب حتَّاً: فركَهُ ونفَضَهُ، قال أبو القاسم الجَوْهرِيُّ في «مُسنده»: وإنَّما تفسيره أنَّ إيمانَ المسلم ثابتٌ لا يتغيَّر أبداً.
          وفيه: طرحُ الإمام المسائلَ على أصحابه ليختبر فهمهم، كما ترجم عليه هناك.
          وفيه: توقيرُ الصَّغير للكبير، وإن كان في العِلْم غير مستحسنٍ ولذلك قالَ عُمَر لولدهِ ما قال، ولو كان سكوته / عنده حَسَنٌ لقال له: أصبتَ.
          قوله: (فَقَالَتِ لَهُ ابْنَتُهُ): يريد ابنةَ أنسٍ راوي الحديث، كما سلف في النكاح [خ¦5120].
          وقوله: (هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ) لأنَّ طلبها لذلك إنَّما يكون مِن فَرط حبِّها لرسول الله صلعم ورغبتها في القُرْب منه وذلك مِن أعظم الفضائل، ففيه حُجَّةٌ في ألَّا يَسْتحي ممَّا يحتاجُ إليه.
          وقولها: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِيْ مِنَ الحَقِّ): يدلُّ أنَّه لا يجوز الحياءِ عن السؤال في أمرِ الدِّين وجميعِ الحقائق التي تعبَّد الله عباده بها، وأنَّ الحياءَ في ذلك مذمومٌ، وفي حديث ابن عُمَر: الحَيَاء مكروهٌ لمن عَلِم عِلْماً فلم يُخبر به بحضرةِ مَن هو فوقَه إذا سُئل عنه، أَلَا تَرَى حرْصَ عُمَر على أن يقول ابنه: إنَّها النَّخلة. وقد سلف هذا في العِلْم [خ¦62].