التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صنع الطعام والتكلف للضيف

          ░86▒ بَابُ صُنْعِ الطَّعَامِ وَالتَّكَلُّفِ لِلضَّيْفِ.
          6139- ذكر فيه حديث أبي جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِيُّ صلعم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ،، إلى أن قال: فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا.
          الحديثَ بطولهِ سلفَ في الصَّوم [خ¦1968].
          وقوله في التبويب: (صُنْعِ) هو بضمِّ الصَّاد مصدرٌ، وضبطه الدِّمْيَاطِيُّ بخطِّهِ بالفتح.
          وقوله: (فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذَلَةً) أي: تمتَهِنُ نفسها بالخِدْمةِ وتلبسُ ثيابَ بذلتها.
          وظاهر الحديث أنَّه أفطرَ بعد أن كان صائماً، وهو مذهب الشَّافِعِيِّ، وخالف مالكٌ، وهو مذهب ابن عُمَر.
          فَصْلٌ: والتكلُّف للضَّيف لمن قَدِر على ذلك مِن سُنن المرسلين وآداب النَّبِيِّين، أَلَا تَرَى أن إبراهيم الخليل صلعم ذبح لضيفهِ عِجْلاً سميناً؟! قال أهل التأويل: كانوا ثلاثةَ أنفسٍ: جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، فتكلَّف لهم ذبح عِجْلٍ وقرَّبه إليهم.
          وقوله ◙ فيما مضى: (جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) يقتضي منع التكلُّف له يوماً وليلةً لمن وجد، ومَن لم يكن مِن أهل الوجود واليسار فليقدِّم لضيفه ما تيسَّر عنده ولا يتكلَّف له ما لا يقدِرُ عليه.
          وقد ورد ذلك عن رسول الله صلعم، روى الطَّبَرِيُّ مِن حديثِ خِرَاشٍ حَدَّثَنا مُسْلم بن قُتَيْبَة، عن قيس بن الرَّبيع، عن عُثْمَان بن سَابُور، عن شقيقِ بن سَلَمَةَ قال: دخلتُ على سَلْمانَ فقرَّب إليَّ خبزَ شَعِيرٍ ومِلحاً وقال: لولا أنَّ رسول الله صلعم نهى أن يتكلَّف أحدنا ما ليس عندَه لتكلَّفت لك.
          فدلَّ أنَّ المراد إذا أضافه ضيفٌ أنَّ الحقَّ عليه أن يأتيه مِن الطعام ما حَضَره وألَّا يتكلَّف له ما ليس عنده وإن كان ما حضرَهُ مِن ذلك دونَ ما يراه المضيف أهلاً لأنَّ في تكليفه ما ليس عنده معانٍ مكروهةٌ:
          منها: حبسُ الضَّيف عن القِرى ولعلَّه أن يكون جائعاً فيُضرَّ بِه.
          ومنها: أن يكون مُسْتعجلاً في سفرهِ فيقطعه عنه بحبسهِ إيَّاه عن إحضاره ما حضرَهُ مِن الطعام إلى إصلاح ما لم يُحضَر.
          ومنها: احتقاره ما عَظَّم الله قدْرَه مِن الطعام.
          ومنها: خِلافهُ أمر رسول الله صلعم وإتيان ما قد نهى عنه مِن التكلُّف.
          وروى عبدُ الله بن الوليدِ عن عبد الله بن عُبَيْدِ بن عُمَيرٍ قال: دخل على جابرِ بن عبد الله نفرٌ مِن أصحاب رسول الله صلعم فقرَّب إليهم خبزاً وَخَلاًّ ثمَّ قال: كُلوا فإنِّي سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ، هلاكٌ بالرَّجُل أن يدخل عليه الرَّجُل مِن إخوانهِ فيَحْتَقرَ ما في بيته أن يقدَّمه إليه، وهلاكٌ بالقوم أن يحتقروا ما قُدِّم إليهم)).
          وقال سُفْيَان الثَّوْرِيُّ عن ابن سِيرينَ: لا تُلزم أخاكَ بما يشقُّ عليه.
          وفسَّره الثَّوْرِيُّ فقال: ائته بحاضرِ ما عندكَ ولا تحبسه، فعسى أن يشقَّ ذلك عليه.
          وفي حديث أبي جُحَيْفَةَ: زيارة الرجل الصَّالح صديقَهُ الملاطِف ودخوله داره في غيبتهِ وجلوسهِ مع أهله.
          وفيه: شكوى المرأة لزوجها إلى صديقه الملاطِف أن يأخذ على يده ويردَّه عمَّا يضرُّ بأهله.
          وفيه: أنَّه لا بأس ألَّا يأكل الضَّيف حتَّى يأكل معه ربُّ الدار.
          وفيه: أنَّه لا بأس أن يفطِرَ ربُّ الدار لضيفهِ في صِيَام التَّطوُّع.
          وفيه: كراهية التشدُّد في العبادة والغُلوِّ فيها خشيةَ ما يُخاف من عاقبة ذلك، وأنَّ الأفضل في العبادة القصد والتوسُّط فهو أحرى للدَّوام، أَلَا تَرَى قوله ◙: (صَدَقَ سَلْمَانُ).
          وفيه: أنَّ الصَّلَاة آخر الليل أفضلُ لأنَّه وقتُ تنزُّل الله إلى سماء الدُّنْيَا فيستجيبُ الدُّعاء.