التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كنية المشرك

          ░115▒ بَابُ كُنْيَةِ المُشْرِكِ.
          وقال المِسْوَرُ: سمعتُ النَّبِيَّ صلعم يقول: (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ)
          6207- ثمَّ ساق حديث أُسَامةَ بن زَيْدٍ أنَّ النَّبِيَّ صلعم (رَكِبَ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ).. الحديث بطولهِ، وموضع الحاجة منه قوله ◙: (أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟) يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ.
          6208- وحديث عبَّاسِ بن عبد المطَّلِب: (هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟..) الحديث.
          وهما دالَّان على ما ترجم له، وهو جواز كُنية المشركين على وجه التألُّف لهم بذلك رجاءَ رجوعهم وإسلامهم أو لمنفعةٍ عندهم، فأمَّا إذا لم يرجُ ذلك منهم فلا ينبغي تَكْنِيتهم، بل يُلقَون بالإغلاظِ والشدَّة في ذاتِ الله، أَلَا تَرَى قوله في الحديث: أنَّه ◙ (كَانَ يَتَأَوَّلُ فِي العَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تعالى بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ). يعني: أَذِن له في قتالهم والشدَّة عليهم، وآياتُ الشِّدَّة والقتال ناسخةٌ لآيات الصَّفْح والعفو، قال مالكٌ: لا أحبُّ أن يُرفعوا ويَنبغي أن يُذلُّوا.
          وأرخصَ غيره في ذلك لقوله: انزل أبا وَهْبٍ.
          فإن قلت: فما معنى تَكْنية أبي لَهَبٍ في القرآن؟ قيل له: ليست على طريق التعظيم له. وقدْ تأوَّل أهل العِلْم في ذلك وجوهاً منها: ما قاله ثعلَبٌ أنَّ اسمه عبد العزَّى، والله لا يجعلهُ عبداً لغيره.
          ومنها: أنَّ اسمه عبد العزَّى وكنيته: أبو عُتْبةَ، وأبو لَهِبٍ لَقَبٌ، _وإنما لُقِّب به_ فيما ذكر ابن عبَّاسٍ لأنَّ وجهَهُ كان يتلَهَّبُ جَمَالاً فليسَ بكُنيةٍ. قاله ابن أبي زَمَنِينَ.
          ومنها: أن تكون تَكْنِيته مِن طريق التَّجنيس في البلاغة ومقابلة اللَّفظ بما شابهَهُ، فكنَّاه في أوَّل السُّورة بأبي لهبٍ لقوله في آخرها: {سَيَصَلَّى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] فجعلَ الله ما كان يفخَرُ به في الدُّنْيَا ويزيِّنُهُ مِن جماله سبباً إلى المبالغة في خِزْيه وعذابهِ، فليس ذلك مِن طريق الترفيع والتعظيم.
          فَصْلٌ: قوله في الحديث الأوَّل: (فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ) أي: غبارٌ. (وَخَمَّرَ ابْنُ أُبَيِّ وَجْهَهُ). غطَّاه كِبْراً وَحَسداً.
          وقوله: (يَتَثَاوَرُونَ) أي: يَتَثَاوَبُونَ. يُقال: انتظِر حتَّى تَسْكُنَ هذه الثَّورة وهي الهيج.
          والبُحيرة: البَلْدَةُ. يُقال: هذه بَحْرَتُنَا أي: أرضنا. ومعنى: (شَرِق في ذلك): غصَّ. والصِّنديدُ: السَّيِّدُ الشُّجاع.
          فَصْلٌ: قوله: (هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟) فيه دلالةٌ أنَّ الله قد يعطي الكافر عِوَضاً مِن أعمالهِ التي مثلُها يكون قُربةً لأهل الإيمان بالله تعالى لأنَّه ◙ أخبرَ أنَّ عمَّه نفعَهُ نُصرته إيَّاه وحِيَاطته له التخفيف الذي لو لم يَنصره في الدُّنْيَا لم يُخفَّف عنه. فعَلِم بذلك أنَّه عُوِّض نُصرته لا لأجل قرابتِهِ منه، فقد كان لأبي لهبٍ مِن القَرَابة مثلما كان لأبي طالبٍ فلم يَنْفَعه ذلك، إذ كان له مُؤذياً بل قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1].
          فَصْلٌ: والضَّحْضَاحُ مِن النَّار: الرَّقيقُ الخَفِيفُ، وكذلك الضَّحْضَاحُ مِن الماء، ومِن كلِّ شيءٍ هو القليلُ الرَّقِيقُ منه.
          و(الدَّرَكُ الأَسْفَلِ): الطبقةُ السُّفلى مِن أطباق جهنَّم، وقد تأوَّل بعض السَّلف: أنَّ الدَّرَكَ الأسفلَ توابيتُ مِن نارٍ تُطبق عليهم، وقال ابن مَسْعُودٍ: توابيتُ مِن حديدٍ تُطبق عليهم، والأدراك في اللغة: المنازِلُ. وذُكر عن ابن مَسْعُودٍ أنَّها أيضاً: توابيتُ مِن حديدٍ مُبْهَمة لا أبواب لها.