التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: حسن العهد من الإيمان

          ░23▒ بَابٌ: حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ.
          6004- ذكر فيه حديث عائِشَة ♦: قالت: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا.
          قولها: (مَا غِرْتُ) إلى آخره. فيه إثباتُ الغيرةِ وهو أمرٌ لا تملكِهُ.
          وقولها: (وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ) الذي ذكره غيره أنَّها توفِّيت قبل الهجرة بهذا المقدار ثمَّ تزوَّج عائِشَة بمَكَّة بنت ستٍّ أو سبعٍ وأُدخلت عليه بعد مَقْدَمه المدينة بثمانية أشهرٍ بنت تسعٍ.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: توفِّيت خديجةُ على ما في هذا الحديث قبل الهجرة بأربع سنين وأشهرٍ لأنَّه ◙ تزوَّج عائِشَة وبنى بها في السنة الثانية مِن الهِجرة، ولا تخالف في ذلك لأنَّ معنى قولها: (تَزَوَّجَنِي): دخل عليَّ، وإلَّا فتكون خديجةُ ماتت قبل الهِجرة بخمس سنين.
          فَصْلٌ: (حُسنُ العَهدِ) في هذا الحديث هو إهداء النَّبِيِّ صلعم اللَّحَم لإخوان خديجَةَ ومعارفِها رَعْياً منه لذِمَامها وَحِفْظاً لعهدها، كذلك قال أبو عُبَيدٍ: العَهْد في هذا الحديث الحِفَاظ ورعاية الحُرْمة، فجعل ذلك البُخَارِيُّ مِن الإيمان لأنَّه فعلُ برٍّ وجميع أفعال البرِّ مِن الإيمان.
          فَصْلٌ: (القَصَبُ) قَصَبُ اللُّؤلُؤ، وهو ما استطال منه في تجويفٍ وكلُّ مُجَوَّفٍ قَصَبٌ، قاله ابن بطَّالٍ. وقال الهَرَويُّ: قال أهل العِلْم واللُّغة: القَصَبُ هنا: لُؤلؤٌ مُجَوَّفٌ واسِعٌ كالقَصَرِ المنيف.
          وعبارة الجَوْهرِيُّ: القَصَب: بيتٌ مِن جَوْهرٍ، وذكر الحديث.
          وقيل: مِن لُؤلُؤةٍ مُجَوَّفةٍ، وبيتُ الرجل قصرهُ ودارهُ. وقيل: هو قَصَبُ اللُّؤلُؤ. وقيل: ما استطال منه في تجويفٍ. وقيل: إنَّ خديجة لَمَّا بشَّرها بذلك قالت: ما بيتٌ مِن قصبٍ؟ قال: ((بيتٌ مِن لُؤلُؤةٍ مُجبَّأة)) وفسَّره ابن وَهْبٍ قال: يريد مُجَوَّفةً.
          وقال الخطَّابيُّ: ولا يستقيم إلَّا أن يكون مِن المقلوب فتكون مُجَوَّبًة مِن الجوب وهو القَطْع، قدَّم الباء على الواو كقوله: {جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة:109] والأصل هائِرٌ، وكقول الشاعر:
لاثٍ بِهِ الأَشَاءُ والعُبْرِيُّ
          وإنَّما هو لائثٌ. وجاء في روايةٍ: ((لا نَصَب فيه ولا وَصَب)) أي: لا أذىً فيه ولا عَنَاء.
          فَصْلٌ: وقوله: (ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا)، قال الجَوْهرِيُّ: الخُلَّة: الخليل، يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث لأنَّه في الأصل مصدرٌ. وقولك: خليلٌ بيِّنُ الخُلَّة والخُلُولة، وذكر الخطَّابيُّ نحوه وزاد: وما كان مِن المصادر اسماً يستوي فيه الرِّجال والنِّساء والآحاد والجماعة، يُقال: رَجُلٌ خُلَّةٌ وامرأةٌ خُلَّةٌ وقومٌ خُلَّةٌ، كقولهم: ماءٌ غَوْرٌ، ومياه غَوْرٌ. فأراد بخلِّها أَخْلالاً.