التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في زعموا

          ░94▒ بَابُ مَا جَاءَ فِي زَعَمُوا.
          6158- ذكر فيه حديث أمِّ هانئٍ ♦، وفيه: زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ.
          وقد سلف [خ¦279]. يقال: زَعَم زُعماً وزَعماً، ذكر خبراً لا يدري أحقٌّ هو أم باطلٌ، وَزَعَمت غير مَزْعمٍ أي: قلتُ غير مَقُولٍ وادَّعيت ما لا يمكنُ. ذكره صاحب «الأفعال»، وكَثُر الزَّعْم أيضاً بمعنى القول.
          وفي الحديث عن رسول الله صلعم: ((زَعَم جِبْريلُ)).
          وفي حديث ضَمام بن ثَعْلبةَ: ((زَعَمَ رسولُكَ)).
          وقد أكثر سيبويه في «كتابه» مِن قوله: زَعَم الخليل كذا في أشياءَ يرتضيها. وقد رُوي عن رسول الله صلعم أنَّه قال: ((زَعَمُوا بئسَ مطيَّةِ الرجل)) رواية وَكِيعٍ، عن الأَوْزَاعيِّ، عن يحيى، عن أبي قِلَابة، عن ابن مَسْعُودٍ أو عن أبي عبد الله، عن النَّبِيِّ صلعم. ومعناه: إنَّ مَن أكثرَ مِن الحديث ممَّا لا يصحُّ عنده ولا يُعلم صِدقُه لم يؤمن عليه الكذب. وفائدة حديث أمِّ هانئٍ: أنَّه ◙ لم يُنكر عليها هذه اللَّفظة، ولا جعلها كاذبةً بذكْرِها.
          فَصْلٌ: وقوله: (مَرْحَبًا) أي: أتيت سَعَةً، وقد يزيدون فيه: وأهلاً، أي: أتيتَ سَعَةً وأهلاً استأنِسْ ولا تَسْتَوحِش، ورحَّب به إذا قال له: مرحباً.
          وقولها: (وَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ) صوابه: (ثماني) مثل: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27] نبَّه عليه ابن التِّين.
          وقولها: (أَجَرْتُهُ) أي: أمَّنته، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون:88] أي: يؤمِّن مَن أخافَهُ غيرهُ، ومَن أخافَهُ هو لم يؤمِّنه أحدٌ.
          ومعنى: (أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ): أمَّنَّا من أمَّنتِ.
          وفيه: أمانُ المرأة، خِلافاً لعبد الملك، وعند أبي الفرج أنِّ الإمام يكون مخيَّراً فيمن أمَّنتْهُ المرأة. وقال ابن القاسم: معنى الحديث أنَّ إجارتها إجارةٌ وأن تأمينها يلزمُ. وقال غيره: قد يكون ما كان مِن ذلك على وجه النَّظْر ولا يلزم ذلك الإمام.
          وقيل: إنَّه تأويل ابن القاسِمِ ونصَّ ابن حَبِيبٍ أنَّ الإمام مخيَّرٌ بين أن يُوفي أمانه أو يردَّهُ إلى مَأْمَنهِ.
          زاد غير ابن القاسم في «المدوَّنة»: إنَّما كان فعل أمِّ هانئٍ بعدما بَرَدَ القتال ونزلَ الأمان.
          قال في «النَّوادر» عن سُحنُون: إذا أُمِّن رجلٌ بعد توجُّبه الأسر والقتْلَ لا يحلُّ قتْلُ المؤمَّن. وعنه في كتاب ابنه: لا يَقْتُله مَن أمَّنهُ، والإمام يرى رأيه فيه. وقال مُحَمَّدٌ: يَسقط عنه القتْل. قيل: يريد ولا يسقطُ الرِّقُّ. وذُكر عن سُحنُون أيضاً أنَّ للإمام ردُّ مأمنه والمنَّ عليه. ووجههُ أنَّ حقَّ المسلمين تعلَّق بهم فليس لأحدٍ إبطاله، وقيل: كانت أمُّ هانئٍ أختَ رسول الله صلعم مِن الرَّضاعة.