التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: تربت يمينك وعقرى حلقى

          ░93▒ بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (تَرِبَتْ يَمِينُكِ)، و(عَقْرَى حَلْقَى)
          6156- ذكر فيه حديث عائِشَةَ ♦ في قصَّة أَفْلَحَ. وفيه: (إِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ). وقد سلف [خ¦2644].
          6157- وحديث عائِشَة ♦ في صَفِيَّة لَمَّا حَاضَت: (عَقْرَى حَلْقَى) لغةُ قُرَيشٍ.
          وسلف في الحجَّ [خ¦1762]. قال ابن السِّكِّيت: يُقال تَرِبَت يداهُ إذا افتقُرُ. ولم يدعُ عليه بذهاب مالِهِ، وإنَّما أراد المَثَل ليرى المأمور به بذلك الحدَّ، وأنَّه إن خالفَهُ فقد أساءَ.
          وقال الأصْمَعِيُّ في قوله: (تَرِبَتْ يَمِينُكِ) وتَرِبَت يداك: معناه الاستخبارُ كما تقول: انجُ، ثكلتكَ أمًّك. وأنت لا تريد أن تُثكل.
          وقال أبو عَمْرٍو: أصابها التُّرابُ ولم يدعُ بالفقر عليها.
          وقال أبو زيدٍ: تَرِبَ إذا افتقَرَ، وإنَّما أراد بهذا أي: في يده التُّراب.
          قال النَّحَّاس: أي: ليس يحصلُ في يده غيره. ويُقال: تَرِبَ الرجل: إذا افتقرَ، وأَتْرَبَ إذا استغنى. وقال ابن كَيْسَانَ: المثَلُ جَرَى على أنَّه إن فاتكَ ما أَغْرَيْتُكَ به افتقرتْ إليه يداكَ. فكأنَّهُ قال: تَرِبَت يَدَاكَ إن فاتكَ. وهذا مِن الاختصار الذي عُرف معناه.
          وقال غيره: هي كلمةٌ لا يُراد بها الدُّعاء، وإنُما تُستعمل في المدح كما قالوا للشاعر إذا أجادَ: قاتَلَهُ الله، لقد أجاد. وكما قالوا: ((وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ)) وهو يتعجَّبُ منه ويمدحُهُ، ولكنَّه دعا على أمِّه بالويل، وهو لا يريد الدُّعاء عليها مِن غضبٍ، وهذا كلامهم، وهو مِثل: تَرِبَت يَمِينُكَ، والأظهر أنَّها كلمةٌ جَرَت على ألسنتهم لا يريدون بها الدُّعاء كما سلف، وأبعد مَن قال: تَرِبَت: اسْتَغْنَت. / قال الدَّاوُدِيُّ: هو خطأٌ، قال: ومعناه هنا: افتقرتَ مِن العِلْم.
          واختَلف أهل اللُّغة في تأويل قوله: (عَقْرَى حَلْقَى) فقال صاحب «العين»: يُقال للمرأة ذلك، أي: مَشْؤومةٌ، ويُقال: هو دُعَاءٌ عليها، يريد: حَلَقَها اللَّهُ وعَقَرَها.
          وقال أبو عليٍّ القالي: (عَقْرَى): مِن العَقْرِ دعاءٌ على الإنسان، وعَقْراً أيضاً، و(حَلْقَى): مِن حَلْقِ الرأس وحَلْقاً أيضاً. وقال ابن قُتَيْبَة: (عَقْرَى حَلْقَى) أي: عَقَرَها اللهُ وأَصَابَها بِوَجَعٍ في حَلْقِها. وقال أبو عُبَيدٍ في «أمثاله»: ومِن الدُّعاء قولهم: (عَقْرَى حَلْقَى).
          وأهل الحديث يقولونه: عَقْرى حَلْقاً، وقال في «غريب الحديث»: عَقْرى حَلْقى وعَقْراً حَلْقاً. وكذا ذكره القزَّاز بالتنوين مصدرين وعدمه، وعبارة ابن التِّين: <عَقْرَى حَلْقَى> أي: مُشْؤومةٌ مُؤْذِيَةٌ، معناه: عَقَرها الله وأصَابَها وَجَعٌ في حَلْقِها.
          وقال الأصْمَعِيُّ: يُقال لِمَا يُتعجَّبُ منه ذلك. وقيل معناه: عَقَرَكَ اللهُ عَقْراً، وحَلَقَك كما يُحلَقُ الشَّعر. وقال الدَّاوُدِيُّ: جرى ذلك على ألسنتهم.
          فَصْلٌ: في الحديث الأوَّل تحريمُ لبنِ الفَحْلِ وهو قول أكثر العِلْماء، ورُوي عن عائِشَة ♦ أنَّها لم تأخذ به.
          وقوله: (فَانْفِرِي) ظاهِرٌ أنَّ طوافَ الوَدَاع ليس بواجبٍ عليها، ونقل ابن التِّين عن فقهاء الأمصار أنَّ طواف الوَدَاع مستحبٌّ.