التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه}

          ░1▒ بابُ قَوْلِ اللهِ ╡: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8]
          5970- ذكر فيه حديث أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانيِّ عن عبد الله بن مَسْعُودٍ ☺: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاة عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الوَالِدَيْنِ) الحديث.
          سلف في الصَّلَاة [خ¦527]، وذكر في التفسير أنَّ هذه الآية التي في سورة لُقمان نَزَلَت في سعْدِ بن أبي وقَّاصٍ، قالت أمُّه حين هاجَرَ: لا يُظِلُّني بيتٌ حتَّى ترجِعَ فنزلت، فأمرَهُ الله تعالى أن يُحسن إليهما ولا يُطِيعهما في الشِّرْك.
          وقيل: نَزَلت في عيَّاشِ بن أبي رَبِيعةَ، فأخبر رسول الله صلعم أنَّ برَّ الوالدين أفضلُ الأعمالِ بعد الصَّلَاة التي هي أعظمُ دَعَائم الإسلام، ورتَّب ذلك بـ (ثُمَّ) التي تُعْطِي الترتيب، وتدلُّ على أنَّ الثاني بعد الأوَّل بمُهلةٍ، وقد دلَّ التنزيل على ذلك، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} [الإسراء:23] يعني: ما يقولان أو يُحدِثان {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قال مُجَاهِدٌ: والمعنى: لا تَسْتَقْذِرهما كما لم يكونا يَسْتَقْذِرانك، وقال عَطَاءٌ: لا تنفُضْ يديكَ عليهما. {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تُغْلِظ لهما في القول. {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23] أي: سَهْلاً ليِّناً عن قَتَادَة وغيره. وقال ابن المُسَيِّب: قول العبد الذَّليل للسَّيِّد الفظِّ الغليظِ.
          {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] أي: كُنْ بمنزلة الذَّليل المقهور إكراماً لهما، وجعل تعالى شُكر الأبويَن بعد شُكره، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] وقال أبو هُرَيْرَةَ ☺: لا تمشِ أمامَ أبيكَ، ولا تقعُد قبلَه ولا تَدعُه باسمهِ، وقيل: تمشي في الظُّلْمة بين يديه، وقال مالكٌ: مَن لم يُدْرك أبويه أو أحدهما فلا بأس أن يقول: ربِّ ارحمهما كما ربَّيَاني صغيراً.
          فَصْلٌ: قوله: (الصَّلَاة عَلَى وَقْتِهَا) وفي روايةٍ أخرى: <لِوَقتِها> وفي أخرى: <لِأوَّل وقتِها> كما سلف في بابه، وفي حديثٍ آخرَ: ((إيمانٌ بالله ثمَّ الصَّلَاة على مواقيتِها)) ولم يذكر هنا لأنَّ الصِّحَّةَ موقوفةٌ عليه.
          وفيه: فضْلٌ ظاهرٌ في برِّ الوالدَين، وقدَّمه على الجِهاد لتعدِّيه إلى الغير، ولأنَّ الفاعِلَ له لا يرى أنَّه إنَّما يفعلهُ مكافأةً لفِعْلهما له، فكأنَّه لا يَرى فيه كبيرَ عَمَلٍ، والجهاد يرى لنفسِهِ فيه كبيرَ عَمَلٍ.
          فَصْلٌ: أبو عَمْرٍو الشَّيْبانيُّ راويه عن ابن مَسْعُودٍ، اسمه سعْدُ بن إِيَاسِ بن عَمْرو بن الحارثِ بن سَدُوس بن شيبانَ بن ذُهْل بن ثَعْلبةَ بن عُكَابة أدرك الجاهليَّة، وعاشَ مئةً وعشرين قال: تكاملَ شبابي يوم اليَمَامة سنة ستَّ عشرة فكنت ابن أربعين سنةً.
          وعُمِّر أيضاً أبو رَجَاءٍ العُطَارِديُّ عِمْرَان بن مِلْحَان، وأبو عُثْمَان النَّهْدِيُّ عبد الرَّحمن بن ملٍّ، وأبو أُمَيَّة سُوَيد بن غَفَلَة بن عَوْسَجَة بن عامِرٍ الجُعْفِيُّ، كلٌّ منهم عاش نحواً مِن ثلاثين ومئة سنةٍ وغيرهم.