التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال

          ░89▒ بَابُ إِكْرَامِ الكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأكبرُ بالكَلَامِ والسُّؤَالِ.
          6142- 6143- ذكر فيه حديث رافِعِ بن خَدِيجٍ وسَهْل بن أبي حَثْمةَ في القَسَامة، وقد سلف في بابها [خ¦2707]. وموضع الحاجة منه: (فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحمن وَكَانَ أَصْغَرَ القَوْمِ، فَقَالَ لَهُ ◙: كَبِّرِ الكُبْرَ قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: لِيَلِيَ الكَلاَمَ الأَكْبَرُ).
          6144- وحديث ابن عُمَر ☻ في النَّخلة (فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أبو بكْرٍ وَعُمَرُ ☻).
          الشرح: إكرامُ الكبير وتقديمه في الكلام وجميع الأمور مِن آداب الإسلام ومعالي الأخلاق.
          روى الحاكم مِن حديثِ أبي الزُّبَير، عن جابرٍ قال: ((قَدِم وفد جُهَينة على رسول الله صلعم فقام غلامٌ منهم، فقال ◙: فأين الكُبَراء)).
          ونقل ابن طاهرٍ في «صَفوة التصوف» بإسناده إلى مُسلم بن الحجَّاجِ أنَّه صحَّحَهُ.
          وروى الحاكم أيضاً مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: ((مَن لم يرحَمْ صغيرنا ويعرفْ حقَّ كبيرنا فليس مِنَّا)). ثمَّ قال: صحيحُ الإسناد.
          وأخرجه أبو داودَ مِن حديثِ عبد الله بن عَمْرٍو، وذكر عبد الرَّزَّاق في الحديث: ((مِن تعظيم جلال الله أن يوقَّر ذو الشَّيبة في الإسلام)).
          ولهذا المعنى قال ◙: (كَبِّرِ الكُبْرَ) فأمر أن يَبدأ الأكبر بالكلام فكان ذلك سُنَّةً، إلَّا أنه دلَّ معنى حديث ابن عُمَر أنَّ معنى ذلك ليس على العُمُوم، وأنَّه إنما ينبغي أن يبدأ بالأكبر فيما يستوي فيه عِلْم الصَّغير والكبير، فأمَّا إذا عِلْم الصَّغير ما يجهل الكبير فإنَّه ينبغي لمن كان عنده عِلْمٌ أن يذكره وينزع به وإن كان صغيراً، ولا يُعدُّ ذلك منه سُوء أدبٍ ولا تنقُّصاً لحقِّ الكبير في التقدُّم عليه؛ لأنَّهُ ◙ حين سأل أصحابه عن الشَّجرة التي شبَّهها بالمؤمن _وفيهم ابن عُمَر وغيره ممَّن كان دونه في السنِّ_ لم يوقِف الجوابَ على الكبار فيهم خاصَّةً، وإنَّما سأل جماعتهم ليجيبَ كلٌّ بما عَلِم، وعلى ذلك دلَّ قول عُمَر لابنه: لو كنتَ قلتَها كان أحبَّ إليَّ مِن كذا وكذا؛ لأنَّ عُمَر لا يحبُّ ما يخالف أدب الإسلام وسُنَّته. وقد كان يسأل ابن عبَّاسٍ وهو صبيٌّ مع المشيخة، وقد كان ذلك معدوداً مِن فضائله. وقد تقدَّم هذا المعنى في باب: الحياء في العِلْم في كتاب العِلْم [خ¦131].
          فَصْلٌ: قوله: (الكُبْرَ) هو بضمِّ الكاف، قال الجَوْهرِيُّ: قولهم: هو كُبْرُ قومِهِ أي: هو أَقْعَدُهُم في النَّسب، قال: وفي الحديث: ((الولاءُ للكُبْرِ)). وهو أن يموت ويترك ابنًا وابن ابنٍ، فالولاء للابن دون ابن الابنِ. قال: والكِبَرُ في السنَّ، يُقال: كبر يَكْبَرُ كِبَراً إذا أسنَّ.
          قال ابن التِّين: وقرأناه بضمِّ الكاف وسكون الباء. قال: وإنَّما يكون أَوْلى إذا لم يكن الصَّغير أدرى ولا أفهم، وإن كان الصَّغير أعلمَ وأفضلَ فهو أولى بدليل حديث ابن عُمَر ☻، وهو كما قال، وقد سلف.
          فَصْلٌ: في الحديث الأوَّل إثبات القَسَامة، وأنَّ القول قول المدَّعِي مع يمينهِ، وقد سلف ذلك مع إنكار أبي حنيفةَ لها [خ¦6898].
          وقوله: (فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ) يريد لإحدى الإبل، أو للقوم أو يكون صوابه لهنَّ، وهو الموضع تُحبَسُ فيه الإبل.