التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه

          ░90▒ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ.
          (الرَّجَزُ): بفتح الراء والجيم اختُلف في كونه شِعْراً، ولهذا حَسُنَ مِن البُخَارِيِّ عَطْفه على الشِّعر. قال ابن التِّين: هو مِن الشِّعر. وقيل: لا، وإنما هو كالكلام السَّجْع وذلك أنَّه يُقال لصانعِهِ: رَاجِزٌ، ولا يُقال: شَاعِرٌ.
          و(الحُدَاءُ): بضمِّ الحاء والمدِّ: مصدرٌ، يُقال: حَدَوتُ الإبلَ حَدْواً وحُدَاءً، وهو سَوْقُ الإبل والغِنَاءُ لها، مثل: دَعَوتُ دُعَاءً، ويُقال للشِّمَال: حدواء لأنَّها تحدو السَّحاب، وحكى الأزهريُّ وغيره كسر الحاء أيضًا وأوَّل مَن اتَّخذه قريشٌ.
          ثمَّ ذكر البُخَارِيُّ قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إلى آخر الآية: {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء:224- 225]. قَالَ ابن عبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ.
          قال ابن عبَّاسٍ: {الْغَاوُونَ}: الرُّواة، وقال الضَّحَّاك: هما اثنانِ تَهَاجيا على عَهْد رسول الله صلعم: أحدهما أنصارِيٌّ، وكان مع كلِّ واحدٍ منهما جماعةٌ، وهم الغُواة أي: السُّفهاء. وقال عِكْرِمَةُ: هم الذين يَتَّبِعون الشَّاعر. وروى ابن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ: {الْغَاوُونَ}: الشياطين. ورُوي عنه: هم الذين يَتَّبِعون ويَرْوون شِعرهم.
          ونقل ابن بطَّالٍ عن أهل التأويل _منهم ابن عبَّاسٍ وغيره_ أنَّهم شعراءُ المشركين يتَّبعهم غُواةَ النَّاس وَمَرَدة الشَّياطين وعُصاة الجنِّ، ويروون شِعْرهم لأنَّ الغاوي لا يتَّبِع إلَّا غاوياً مثلَهُ.
          وقول ابن عبَّاسٍ: (فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ) وقيل: في كلِّ واحدٍ مِن القول يَهِيمون. قال أبو عُبَيدٍ: الهائم: المخالِفُ للقصد في كلِّ شيءٍ، فَيَمْرَحُون ويَمْرُقُون بما ليس في الممدوح والمذموم.
          وقوله: ({إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [الشعراء:227]) قال ابن عبَّاسٍ: يعني: ابن رَوَاحَةَ وحسَّاناً.
          وقوله: ({وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}) أي: في شِعْرهم، وقيل: في خِلال كلامهم للناس، وقيل: لم يَشغلهم الشِّعر عن ذِكْر الله. ({وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}): أي: ردَّوا على الكفَّار الذين كانوا يَهْجُونه.
          قال الطَّبَرِيُّ: ولا خِلاف في أنَّ حُكم المستثنى مخالِفٌ لحُكم المستثنى منه، فوضح أنَّ المذموم مِن الشُّعراء غير الذين آمنوا وعملوا / الصَّالحات، وأنَّ الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات منهم محمودون غير مذمومين.