التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في قول الرجل: ويلك

          ░95▒ باب ما جاءَ في قولِ الرجلِ: ويلكَ.
          ذكرها في عِدَّة أحاديث:
          6159- حديث أَنَسٍ ☺: (ارْكَبْهَا قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ).
          6160- وحديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ مثله.
          6161- وحديث أَنَسٍ أيضاً ☺: أنَّه صلعم (كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ).
          6162- وحديث أبي بكْرةَ أثنى رجلٌ على رجلٍ فقال: (وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ _ثَلاَثًا_) الحديث.
          6163- وحديث أبي سَلَمَةَ والضَّحَّاكِ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ ☺: بَيْنَا رسول الله صلعم يَقْسِمُ ذات يومٍ قِسْماً، وفيه: (وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إنْ لَمْ أَعْدِلْ؟!).
          و(الضَّحَاكِ): هو ابن شَرَاحِيلَ _ويُقال: ابن شُرَحْبَيل_ الهَمْدَانيُّ المِشرَقيُّ أبو سعْدٍ، ومِشرَق _بكسر الميم وفتح الراء وبالقاف_ بطْنٌ مِن هَمْدَانَ، وهو مِشرَق بن زَيْدٍ بن جُشَم بن حاشِدِ بن خَيْوَانَ بن نَوْفِ بن هَمْدَانَ.
          والرِّصَاف المذكور فيه: بكسر الراء وحُكي ضمُّها، عَقَبٌ يُلوى على مَدْخل النَّصل.
          وعبارة ابن التِّين أنَّه القدر الذي يُركَّب عليه الرِّيش. وقال الدَّاوُدِيُّ: هو ما دونَ الحديدِ مِن العُود.
          والنَّضيُّ: ما بين الرِّيش والنَّصل، سُمِّي بذلك لكثرة البَرْيِ والنَّحت. وعن ابن عُمَر أنَّه نَصْل السَّهم. قال ابن التِّين: والذي قرأناه بفتح النُّون. وقال الشيخ أبو الحَسَنِ: الذي أعرفُهُ بضمِّها. وقال القزَّاز: هو عُود السَّهم. قيل: يُرَاش وينصل. قال: ويُسمَّى بذلك بعد عملهِ.
          والقُذَذ: رِيْشُ السَّهم، واحدتها قُذَّة، والفُوقُ: موضِعُ الوتر، والقِدْح: الخَشَبُ وحدَه، والسَّهم اسمٌ لجميع ذلك.
          6164- وحديث أبي هُرَيْرَةَ، في حديث المجامِع في رمضانَ، فقال: (وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ) تابعهُ يُونُس، عن الزُّهْرِيِّ. وقال عبد الرَّحمن بن خالدٍ، عن الزُّهْرِيِّ: (ويلك).
          6165- وحديث أبي سَعِيدٍ، أنَّ أعرابيَّاً قال: يا رسول الله، أخبرني عن الهِجرة. قال: (وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الهِجْرَةِ شَدِيدٌ..) الحديث.
          وشيخ البُخَارِيِّ فيه (سُلَيْمَان بن عبد الرَّحمن) ابن عيسى بن مَيْمُونٍ أبو أيُّوبَ / القُرَشِيُّ الدِّمَشْقيُّ، يُعرف بابن بنت شُرَحْبِيل. روى عنه أبو داودَ أيضاً.
          وروى البُخَارِيُّ أيضاً والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه عن رجلٍ عنه، مات سنة ثلاثين ومائتين أو اثنتين أو ثلاثٍ أو أربعٍ وثلاثين.
          وقوله: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّحمن بْنُ خَالِدٍ) ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في «الأفراد» مِن حديثِ مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل الصَّنْعَانيِّ عنه.
          6166- وحديث ابن عُمَر عن رسول الله صلعم: (وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ _قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ_ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ). وقال النَّضرُ، عن شُعْبَة: (وَيْحَكُمْ). وقالَ عُمَر بنُ مُحَمَّدٍ، عن أبيه: (وَيْلَكُمْ) أو (وَيْحَكُمْ).
          6167- وحديث همَّامٍ عن قَتَادَة، عن أنسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ أَتَى رسول الله صلعم فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: (وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟).. الحديث.
          اختصرهُ شُعْبَةُ، عن قَتَادَة: سمعتُ أنساً، عن رسول الله صلعم.
          قلتُ: ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ في «أفراده» مِن حديثِ عبد الله بن هِشَامِ بن حسَّانَ، عن أبيه، عن قَتَادَة، عنه، وقال: غريبٌ مِن حديثِ عبد الله، عن أبيه، تفرَّد به عُمَر بن شبَّة عنه.
          وقوله في حديث همَّامٍ: (فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ _وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي_ فَقَالَ: إِنْ أُخِّرَ هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
          قال الإسْمَاعيلِيُّ: يعني الإبلاغَ في القُرب لا تحديدَ قيامها، كما قال: ((بُعِثتُ في نفْسِ السَّاعة)). وقال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل:1] فأحلَّه محلَّ ما قد أتى في اللَّفظ، وكلُّ ما هو آتٍ قريبٌ.
          وما ذكره مِن الأحاديث دالٌّ لِمَا ترجم له، قال سيبويه: (ويلكَ): كلمةٌ تُقال لمن وَقَع في هَلَكةٍ. و(وَيْحَكَ): ترحُّمٌ بمعنى وَيْل، وكذا قال الأصْمَعِيُّ وزاد: ووَيْس تصغيرها. أي: أنَّها دُونَها، وقيل: هما بمعنى. وقال بعض أهل اللُّغة: ولا يُراد بها الدُّعاء بإيقاع الهَلَكة لمن خُوطب بها، وإنَّما يُراد بها المدحُ والتعجُّب، كما تقول العرب: ((وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ)). على عادتها في نقلها الألفاظ الموضوعة في بابها. إلى غيره كما سلف في: ((انجُ ثكلتك أمُّك))، و((تَرِبَت يداك)).
          وروى يحيى بن مَعِينٍ: حَدَّثَنا مُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَان قال: قال لي أبي: أنت حدَّثتني عَنِّي، عن عبد الله بن عُمَر، أنَّ عُمَر قال: ويح كلمةُ رحمةٍ.
          قال الخليل: لم يُسمع على بابه إلَّا وَيْحٌ، ووَيْسٌ، ووَيْلٌ، وويدٌ ووَيْب، ووَيْه.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: ويح وويل وويس متقاربةٌ تقولها العرب عند الذمِّ. قال: والوَيْحُ مأخوذٌ مِن الحَزَن. كذا قال، وهو الحَزَن فكأنَّه أخذه مِن باب أنَّ الدُّعاء بالويلِ لا يكون إلَّا عنده، وقال: والوَيْس مِن الأسى وهو الحَزَنُ. كذا قال، لكنَّ الأصلَ مختلِفٌ.
          فَصْلٌ: والبَدَنَةُ: ناقةٌ أو بقرةٌ سُمِّيت بذلك لِسِمَنِها، تقول منه: بدن الرجل بفتح الدَّال وضمِّها إذا ضَخُمَ.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: البَدَنَةُ ذكَرٌ أو أنثى مِن الإبل، وإنَّما قال له: (ارْكَبْهَا) لأنَّه أعيا واختلف إذا استراحَ هل ينزل؟ بين مالكٍ وغيره.
          فَصْلٌ: وقوله: (وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ) يعني: بإطرائِكَ إيَّاه ومدحك، وقد تُفْسِدُ عليه دينُهُ.
          وقوله: (لاَ مَحَالَةَ) هو بفتح الميم أي: لا بدَّ منه.
          وقوله: (وَاللَّهُ حَسِيبُهُ) أي: أعلمُ بحقيقة أمره.
          فَصْلٌ: وقوله: (فَقالَ عُمَر: ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبْ عُنُقَهُ) كان منافقاً، وكان ◙ لا يقتلهم لئلَّا يُتحدَّث أنَّه يقتلُ أصحابه.
          وقوله: (إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ) إلى آخره: هم الذين قاتلوا عليَّاً ☺، ووصفهم ◙ بالآيات التي وُجدت، وهذه الطائفة حكَّمت أهواءها وخالفت الإجماع، وتعلَّقت بظاهر الكتاب على زَعْمها، ونَبَذتِ القرآن في الذي أمرهم الله به، وأجمعتِ الصَّحابة على صِحَّته فقالت: لا حُكم إلَّا لله والرسول. فقال عليٌّ ☺: كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطِلٌ. وناظرهم في ذلك ابن عبَّاسٍ فقال: إنَّ الله قد حكمَ بين الزَّوجَين، وفي جزاء الصَّيد فبأن يحكم بين طائفتين مِن المسلمين لحقنِ دمائهم أَوْلَى.
          ووافق الخوارجُ في هذه المقالة أهْلَ الظاهر، واقتفوا آثارهم فضلَّلوا السَّلف في القول بالرأي والقياس، ومِن أقوالهم _أعني الخوارجَ_ الخارجة عن الدِّين: تيمُّمهم مع وجود الماء، ويخادعُ الله ويسألُ عنه، ويأخذ الغنيُّ الزكاة، ويتأوَّل {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [مُحَمَّد:38] ويَقْصُرون في الحَضَر، ويُسمُّون المسلمين فُسَّاقاً، ويقولون بخلْقِ القرآنِ ونفي النَّظر إلى اللهِ، ويَشْتمون السَّلف الصَّالح.
          وقد اختُلف في أحكامهم: فرُوي عن مالكٍ فيمن قال بخلْقِ القرآن: هو كافرٌ، وقيل: لا. وهو ظاهر مذهب الفقهاء لأنَّهم ورثوا بينهم وبين المسلمين.
          وفي «المدوَّنة»: لا يُصَلَّى عليهم. قال سُحنُون: أدبًا لهم فإذا ضاعوا صُلِّيَ عليهم. وفيها أيضاً: فَيُستتابوا، فإن تابوا وإلَّا قُتلوا. وقيل: يُضربون ويُسجنون ولا يُقتلون إلَّا أن يسبُّوا بدارهمَ ويدعوا إلى بِدْعتهم وإذا تابوا وقد قَتلوا وأَخذوا الأموال ووَطئوا النِّساء لم يُقتلوا وأُخذ ما وُجِد مِن الأموال، ولم يُغَرَّموا ما انتهكوا مِن المال ولا يُحدُّون في وَطْءِ النِّساء لأنَّهم متأوِّلُون، وانفردَ أصبغُ فقال: يُقتل مَن قَتل إن طلبَ ذلك وليُّهُ، كاللِّصِّ يتوبُ قبلَ أن يُقدَر عليه.
          فَصْلٌ: قوله: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ) قيل: بهذا سُمُّوا مارقةً. واحتجَّ به مَن قال بتكفيرهم.
          و(الرَّمِيَّةُ): بمعنى مَرْميَّةٍ، وهو ما يُنصب ليُرمى عليه النَّبْل، والنَّصل: حديدُ السَّهم، والنِّضي: سلف أنِّه بكسر النُّون وضمِّها وحكاهما في «غريب المدوَّنة» أيضاً وأنَّه العُود الذي عند أصل الأُنْبُوب. وقال الدَّاوُدِيُّ: هو ما قارب الرِّيش مِن العُود، والقُذَذ دونه مِن الرِّيش.
          قال ابن التِّين: والذي ذكره أهل اللُّغة أنَّ القُذَذ: الرِّيش، واحدها قُذَّة.
          قوله: (فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ) أي: يُنظر ما يعلَقُ بالرِّيش مِن الدمِّ فلا يُوجَد له فيه أثَرٌ.
          وقوله فيه: (سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ) الفَرْثُ: ما يجتمع في الكَرِش، وقيل: إنما يُقال له: فَرْثٌ ما دامَ في الكَرِش، قاله الجَوْهرِيُّ والقزَّاز.
          وقوله: (يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ) أي: وقتُ افتراقٍ. قال ابن التِّين: / هكذا رُوِّيْناه، ورُوِّي: ((على خيرِ فِرقةٍ مِن النَّاس)). ومعنى الأوَّل: ما كان يوم صِفِّين بين الصَّحابة.
          وبقوله: (يَخْرُجُونَ) سُمُّوا خوارجَ.
          و(البَضْعَةِ): القِطْعة مِن اللَّحم، قال الجَوْهرِيُّ بالفتح وأخواتها بالكسر مثل: العِلقة والفِلْذة، وغيرهما ممَّا لا يُحصى.
          وقوله: (تَدَرْدَرُ) أصله: تتدردر، فحُذف إحدى التاءين استخفافاً، ومعناه: ينفتحُ ويدرُّ كما يدرُّ ضَرْعُ الشَّاة، وقيل: يتحرَّكُ ويضطرِبُ، والمعنى متقاربٌ.
          فَصْلٌ: وكفَّارةُ المجامِعِ في رمضانَ مرتَّبةٌ عندنا وِفَاقاً لابن حَبِيبٍ، وقال مالكٌ: مخيَّرةٌ، أستحبُّ بالبَدَاءة بالإطعام. قال ابن التِّين: ومذهبه أنَّ الكفَّارة بالطَّعام ولا يُعرف العِتق ولا الصِّيام.
          ولم يذكر في «الموطَّأ»: ((فإن يَجِد)) وقيل: إنَّه مِن قول أبي هريرة وقال أبو مُصْعَبٍ: إن أكلَ أو شَرِب كفَّر بالإطعام، وإنَّما العِتق والصِّيام عن الجِمَاع، وقال أشهبُ بالتخيير.
          وقوله: (مَا بَيْنَ طُنُبَيْ المَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنِّي) ضُبط بفتح الطاء والنُّون في بعض رواية الشيخ أبي الحَسَن، وبضمِّهما في رواية أبي ذرٍّ.
          قال ابن التِّين: والذي قرأناه بضم الطَّاء وإسكان النُّون، والأصل ضمُّ النُّون، وكذلك في اللغة، وهو حبْلُ الخِبَاء، وأراد بذلك جانبيها وناحيتيها.
          فَصْلٌ: وقوله: (وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الهِجْرَةِ شَدِيدٌ) قيل: كان هذا قبل الفتح فيمن أسلَمَ مِن غير أهل مَكَّة، كان ◙ يحذُّره شدَّة الهِجْرة ومُفَارقة الأهل والوطن، وكانت هِجْرته وصوله إلى رسول الله صلعم، قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية [التوبة:122].
          وقوله: (فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ) فيه دلالةٌ على أنَّها غير واجبةٍ عليه، وإنَّما كانت على أهل مَكَّة.
          وقوله: (لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا) أي: لن يَنْقُصَك، وأصلُه يوترك، فحُذفت الواو لوقوعها بين ياءٍ وكسرةٍ قال تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [مُحَمَّد:35].
          وقوله: (فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟) لم يسأله عن غيرها مِن الأعمال الواجبة عليه لأنَّ النُّفُوس _والله أعلم_ حِرْصها على المال أشدُّ مِن حِرْصها على الأعمال البدنيَّةِ، فإذا كان يبذلُ المال ويخرجه لمستحقِّه ويؤدِّيه طيِّبةً به نفسهُ فهو على الأعمالِ البَدَنيَّةِ أحرصُ على عملها.
          فَصْلٌ: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا) قد سلف أنَّه السَّتر أو تكفير النَّاس، كفعل الخوارجِ إذا استعرضوا النَّاس، وقيل: هُم أهل الرِّدَّة قتلهم الصِّدِّيق. وقالت الخوارج ومَن نَحَى نحوهم: هو الكُفر بفعلهم كما يكفُرُون بالزِّنا والقتل ونحوهما مِن الكبائر. وقيل: أراد إذا فعله كلُّ واحدٍ مُستحلًّا لقتلِ صاحبهِ فهو كافِرٌ.
          فَصْلٌ: قوله: (فَمَرَّ غُلاَمٌ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي) أي: مِن أمثالي في السِّنِّ، قال أهل اللُّغة: _بفتح القاف_ مِثْلُكَ في السِّنِّ، فتقول: هو على قَرْني أي: على سِنِّي. والقِرن _بالكسر_: مِثْلُكَ في الشَّجاعة فانظر كيف يصحُّ هنا قوله: (مِنْ أَقْرَانِي)؟ وَفَعْل كَضَرْب إذا كان صحيحاً ساكن العين مفتوح الأوَّل لا يُجمع على أفعالٍ إلَّا شيئاً قليلاً لم يُعدَّ هذا فيها.
          وقوله: (إِنْ أُخِّرَ هَذَا، لم يُدْرِكَهُ الهَرَمُ) هو كِبَر السِّنِّ.
          (حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ): قال الدَّاوُدِيُّ: ليس هو المحفوظ إذ المحفوظ أنَّه قال للذين خاطبَهم: ((تأتيكم ساعتكم)): يعني: موتكم. وكانوا أعراباً خَشِيَ أن يقول لهم: ما أدري مَتَى الساعة يَرْتَابُوا، فكلَّمهم بالمعاريِض التي فيها مندوحةٌ عن الكَذِب.
          فَصْلٌ: وقوله: (مَتَى السَّاعَةُ؟) كان سؤال النَّاس رسول الله صلعم عن وقتها على وجهَين: أحدهما: على معنى التكذيبِ لها، والآخر: على معنى التَّصديق لها والشَّفقة منها، فلمَّا قال البَدَويُّ: (مَتَى السَّاعَةُ؟) امتحنَهُ رسول الله صلعم مُسْتَبرماً حالَهُ ليعلم مِن أيِّ الحالين هو، فلمَّا أظهر له إيمانه بالله وتصديقه برسول الله صلعم قال له: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) فألحقه بحُسن النِّيَّة _مِن غير زِيَادةٍ_ بأصحاب الأعمال الصَّالحة، قاله الخطَّابيُّ.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: يحتمل أن يريد أنَّه معهم في الجنَّة، وبعضهم فوق بعضٍ لأنَّ مَن أحبَّ رسول الله صلعم لا يَلحق درجتَهُ ولا يُقَاربها.