التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

          ░87▒ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الغَضَبِ وَالجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ. /
          6140- ذكر فيه حديث عبد الرَّحمَنِ بن أبي بكْرٍ ☻ أَنَّ أبا بكْرٍ ☺ تَضَيَّفَ رَهْطًا.. الحديثَ بطوله، وقد سلف [خ¦602].
          فِقْهُهُ أنَّه ينبغي استعمال حُسن الأخلاق للضَّيف وترك الضَّجر، لكي تنبسط نفسهُ ولا تنقبض ويُسقط المؤنَةَ والرِّقْبَة خشيةَ أن يُظَنَّ أنَّ الضَّجر والغضب مِن أجله، فذلك مِن أدب الإسلام وما يثبِّتُ المودَّة، أَلَا تَرَى الصِّدِّيق لَمَّا رأى إباءة أضيافه مِن الأكل حتَّى يأكل معهم آثرَ الأكل معهم وحنَّث نفسه. وإنَّما حملَهُ على الحَلْف _والله أعلم_ أنَّه استقصر ابنه وأهلَهُ في القيام ببرِّ أضيافه، واشتدَّ عليه تأخُّر عَشَائهم إلى ذلك الوقت مِن اللَّيل، فلحقَه ما يلحقُ البشر مِن الغضب ثمَّ لم يَسَعه مخالفة أضيافه لَمَّا أبوا مِن الأكل دونه، فرأى أنَّ مِن تمام برِّهم إسعافَ رغبتهم وترك التَّمادي في الغضب وأخذ في ذلك بقوله ◙: ((مَن حَلَف على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها فليكفِّر عن يمينه، وليأتِ الذي هو خيرٌ)). وكان مذهب مالكٍ اختيار الكفَّارة بعد الحِنْث.
          وقوله: (بِسْمِ اللهِ، الأولى مِنَ الشَّيْطَانِ) يعني: اللُّقمة الأوَّلى إخزاءٌ للشَّيطان لأنَّه الذي حَمَلَه على الحَلْف وسوَّل له ألَّا يأكل مع أضيافه، وباللُّقمة الأوَّلى وقع الحِنْث بها ووَجَبَت الكفَّارةُ.
          وقد تقدَّم تفسير قوله: (يَا غُنْثَرُ) في الصَّلَاة في باب السَّمر مع الضَّيف والأهل، ومرَّ هناك شيءٌ مِن معانيه [خ¦602]، وسيأتي في الباب بعد هذا شيءٌ مِن ذلك [خ¦6141].
          فَصْلٌ: في بيان ألفاظٍ واقعةٍ فيه:
          قوله: (دُونَكَ أَضْيَافَكَ) هو إغراءٌ، يُقال: دونك زيداً أي: الزمْهُ. ومعنى: اطعموا: كُلوا. قال تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ} [الأحزاب:53].
          وقوله: (اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ) أي: منَّا قِرَاكم، ومصدر قَرَيْتُ: قِرىً وقَرَاءً إذا كسرتَ القاف قصرتَ، وإذا فتحتَ مددتَ، والاسم قِرىً بالكسر والقصر.
          قوله: (يَا غُنْثَرُ) هو مشتقٌّ مِن غَثَر، والنُّون زائدة مثل: غُنْدَر، والغَثَار والغثر: سَفَلَة النَّاس، الواحد أغثرُ كأحمر، وهو سبٌّ له ونقصٌ، هذا الذي يظهر فيه. وقال أبو عبد الملك: لم أسمع أحداً يذكر اشتقاقه، ومعناه: كأنَّه اتَّهمه أن يكون فرَّطَ.
          وقوله: (أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ) هو مشدَّدٌ بمعنى (إلَّا) كأنَّهُ اتَّهَمه عند سيبويه كما سلف. ويصحُّ أن يكون مخفَّفاً وما زائدةً.
          وقوله: (لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ) يعني: في أكثر الأحوال، ذكره الدَّاوُدِيُّ. ويحتمل أن يكون قال ذلك مِن كثرةِ اللَّغَط.
          وقوله: (الأولى مِنَ الشَّيْطَانِ) يعني: يمينَهُ. أي: كانت مِن الشَّيطان. وقيل: يعني: اللُّقمة الأوَّلى لأنَّه الذي حَمَلَه أن يحلف، وباللُّقمة الأوَّلى وقع الحِنْث ووجبت الكفَّارةُ.