التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التكني بأبي تراب وإن كانَت له كنية أخرى

          ░113▒ بَابُ التَّكَنِّي بِأَبِي تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى.
          6204- ذكر فيه حديث سَهْلٍ قال: (إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ ☺ إِلَيْهِ أَبُو تُرَابٍ).. الحديثَ. بذكر سببه.
          وقوله: (اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ) وقد أسلفنا أنَّ الكُنية موضوعةٌ لإكرام المدعُوِّ بها وإتيان مَسَرَّتِهِ لأنَّه لا يتكنَّى المرء إلَّا بأحبِّ الكُنى إليه وهو مُبَاحٌ له أن يتكنَّى بكُنيتين إن اختار ذلك، ولا سيَّما إن كنَّاه بأحدهما رجلٌ صالحٌ أو عالِمٌ فله أن يتبرَّك بكُنيته لأنَّ عليَّاً كان أحبَّ الكُنى إليه أبو ترابٍ.
          وفيه: أنَّ أهل الفضل قد يقعُ بينهم وبين أزواجهم ما جبَلَ الله عليه البشر من الغضَبِ والحَرَج حتَّى يَدْعُوهم ذلك إلى الخروج عن بيوتهم، وليس ذلك بعائبٍ لهم.
          وفيه ما جبَلَ الله عليه رسوله مِن كَرَمِ الأخلاق وحُسن المعاشرة وشدَّة التواضع، وذلك أنَّه طلب عليَّاً واتَّبعه حتَّى عرف مكانَهُ ولقيه بالدُّعابة، وقال له: (اجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ). ومسحَ التراب عن ظهرهِ لِيُبْسِطه ويُذهب غَيْظَه ويُسكن نفسه بذلك، ولم يُعَاتبهُ على مُغَاضبتِهِ لابنتِهِ.
          وفيه مِن الفقه: الرِّفق بالإصهارِ وترْكِ معاتبتهم، سيأتي هذا المعنى في الاستئذان في باب: القَائِلَة في المسجد [خ¦6280]، وسلف في الصَّلَاة في باب: نوم الرَّجل في المسجد [خ¦441].
          وفيه: ما ترجم له وهو جواز كُنيتين سيَّما إن شرَّفه بالثانية كما مرَّ.
          وقوله: (إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ إِلَيْهِ لَأَبُو تُرَابٍ) أنَّث (كانت) على تأنيث الأسماء مثل: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [ق:21] ومثل:
كَمَا شَرِقَتْ صَدْر القَناة مِنَ الدَّمِ
          وقوله: (مَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبِيُّ صلعم) كذا هو في الأُصُول، وأورده ابن التِّين بلفظ: <أبو> وقال: وصوابه: أبا.
          فائدَةٌ: قوله: (اجْلِسْ) هو المستعمَلُ. قال الخليل: يقال لمن كان قائماً: اقْعُد. ولمن كان نائماً أو سَاجِدًا اجلس. وردَّ عليه ابن دِحْيَة بحديث «الموطَّأ» في الحلبة حيث قال للقائم: اجْلِس.