التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الإخاء والحلف

          ░67▒ بَابُ الإِخَاءِ وَالحِلْفِ.
          وقال أبو جُحَيْفَةَ ☺: آخَى النَّبِيُّ صلعم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحمن بن عوفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخَى النَّبِيُّ صلعم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ. سلفا مُسندين.
          6082- وقد أسند الثاني هنا مِن حديثِ أَنَسٍ ☺ قال: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحمن، فَآخَى النَّبِيُّ صلعم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.
          6083- وحديث عاصِمٍ: قلتُ لأنس: أَبَلَغَكَ أنَّ رسول الله صلعم قال: (لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صلعم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي).
          الشرح: آخى النَّبِيُّ صلعم بين المهاجرين والأنصار أوَّلَ قُدومه المدينة وحالفَ بينهم، وقد عقد له البُخَارِيُّ باباً قبل الغزوات وأوضحناه هناك، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء والحِلْف دون ذوي الأرحام، قال سعيدُ بن جُبَيْرٍ: وقد عاقد أبو بكْرٍ رجلاً فَورثه. قال الحَسَنُ: كان هذا قبل آية المواريث، وكان أهل الجاهليَّة يفعلون ذلك. قال ابن عبَّاسٍ: فلمَّا نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النِّساء:33] يعني: وَرَثةً، نُسخت. ثمَّ قال: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النِّساء:33] يعني: مِن النَّصر والرِّفادة والنَّصِيحة، وقد ذهب الميراث.
          قال الطَّبَرِيُّ: ولا يجوز الحِلْف اليوم في الإسلام لحديث جُبَيْر بن مُطْعِمٍ، عن النَّبِيِّ صلعم أنَّه قال: ((لا حِلْفَ في الإسلام وما كان مِن حِلْفٍ في الجاهليَّة فلا يزيدهُ الإسلام إلَّا شدَّةً)).
          وقال ابن عبَّاسٍ: نسخَ الله حِلْف الجاهليَّة وحِلْف الإسلام بقوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75]، وردَّ المواريث إلى القَرَاباتِ.
          ومعنى: ((وَمَا كَانَ مِنْ حلفٍ..)) إلى آخرِه قيل: الذي أمَرَ ◙ بالوفاء به، مِن ذلك هو ما لم يَنْسخه الإسلام ولم يُبْطِله حُكم القرآن، وهو التعاون على الحقِّ والنُّصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي.
          وصِفة الحِلْف في الجاهليَّة أن يقول الرجل للرجل والقَبِيل للقَبِيل: دَمِي دَمُك، سَلْمي سَلْمُك، / وَتَرِثني وأرثكَ، ويشترطُ النَّصر والرِّفادة. ويُقال: إنَّ الحليفَ كان يَرِث السُّدُس ممَّن حالفهُ حتَّى نَزَلَت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} الآية [الأنفال:75].
          وكان الإخاء بغير أَيمانٍ، وكانوا يتوارثون به إذا لم يكن للمهاجر مِن وَرَثةٍ مِن أهل الهِجرة بالنَّسبِ وارَثَ مَن آخاه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا}الآية [الأنفال:72]، ثمَّ نُسخ بأولي الأرحام.
          وسُمِّي الحليفُ لأنَّهم كانوا يتحالفون على ذلك، هذا قول الدَّاوُدِيِّ.
          وقال الجَوْهرِيُّ في الحديث: أنَّه ◙ حالفَ بين قُرَيشٍ والأنصار آخى بينهم لأنه لا حِلْف في الإسلام. قال: والحِلف بالكسر: العَهْدُ يكون بين القوم. وتأوَّل أنسٌ أنَّ حالف: مِن اليمين، ومصدر حلف بمعنى: أقسم بفتح الحاء وكسرها.
          وذكر الخطَّابيُّ عن سُفْيَان بن عُيَينةَ قال: فسَّر العِلْماء حالفَ أي: آخى، وهذا هو الصَّحيح لثبوت الخبر: (لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ) وإنَّما كانوا يتحالفون في الجاهليَّة لاختلافهم، وأمَّا اليوم فقد ألَّف الله كلمة الإسلام فلا يفتقرون إلى تحالُفٍ، وكذا قال الهروِيُّ.