التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير

          ░45▒ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: الطَّوِيلُ وَالقَصِيرُ.
          وقال النَّبِيُّ صلعم: (مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ) وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ.
          6051- ثمَّ ساق حديث ذي اليدَين مِن طريق أبي هُرَيْرَةَ ☺، وقد سلف [خ¦482]. وهذا ممَّا لا يُراد به عيبه، وهو مذهب جماعةٍ، والأحاديثُ شاهدَةٌ له. ورأى قومٌ مِن السَّلف أنَّ وصْفَ الرجل بما فيه مِن الصِّفة غيبةٌ له. قال شُعْبَةُ: سمعتُ مُعَاوُيَة بن قُرَّة يقول: لو مرَّ بك أقطعُ فقلت: ذاك الأقطعُ، كانت منك غِيْبةً. وعن الحَسَن: لا تخافون أن يكون قولنا حُمَيْدٌ الطويلُ غِيبةً.
          وكره قَتَادَةُ أن يُقال: كعْبُ الأحبار، سَلْمانُ الفارِسِيُّ، ولكن كعْبٌ المسلمُ وسَلْمانُ المسلم.
          روى سُلَيْمَان الشَّيْبَانيُّ، عن حسَّانَ بن المُخَارقِ: أنَّ امرأةً دَخَلَت على عائِشَة ♦، فلمَّا قامت لتخرج أشارت عائِشَة بيدها إلى رسول الله صلعم أنَّها قصيرةٌ، فقال ◙: ((اغْتَبْتِيها)).
          وروى موسى بن وَرْدَانَ، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺، أنَّ رجلاً قام عند رسول الله صلعم فرأوا في قيامِهِ عَجْزاً فقالوا: يا رسول الله، ما أَعْجَز فُلانًا؟ فقال ◙: ((أَكَلْتم أخاكُم واغْتَبْتُموه)).
          قال الطَّبَرِيُّ: وإنَّما يكون ذلك غِيبةً مِن قائلهِ إذا قاله على وجه الذمِّ والعيبِ للمقول فيه وهو له كارِهٌ، وعن مِثل هذا ورد النَّهي، فأمَّا إذا قاله على وجه التعريف والتمييز له مِن سائر النَّاس، كقولهم: يزيدُ الرِّشْك، وحُمَيْدٌ الأرقَطُ، والأحنفُ بن قيسٍ. والنِّسبة إلى الأمَّهات، كإسماعيلَ بن عُلَيَّةَ وابن عائِشَة، فإنَّ ذلك بعيدٌ مِن معنى الغِيبة. وهو ظاهر إيراد البُخَارِيِّ، حيث استدلَّ بحديث ذي اليدَين.
          فَصْلٌ: اختلف المفسِّرون في قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] فروى الأعمشُ عن أبي جَبِيرَةَ بن الضَّحاك، قال: كان أهل الجاهليَّة لهم الألقاب، للرجل منهم الاسمان والثلاثة، فَدَعى رسول الله صلعم رجلاً منهم بلقبِهِ، فقالوا: يا رسول الله، إنَّه يكرهُ ذلك فَنَزَلت.
          وعن ابن مَسْعُودٍ والحَسَن وقَتَادَةَ وعِكْرِمَة أنَّ اليَهُودِيَّ والنَصْرانيَّ كان يُسلم، فيُلقَّب به فيُقال: يا يَهُوديُّ يا نَصْرانيُّ، فنُهوا عن ذلك وَنَزَلت. وعن ابن عُيَيْنَة: لا تقل: كان يَهُوديَّاً ولا مُشْركاً.
          وحديث الباب كما قدَّمناه شاهِدٌ على ما إذا قاله على وجه التعريف، ويبيِّن أنَّ الآية فيمن أراد عَيْب الرجل وتنقُّصَهُ، ولهذا استجاز العِلْماء ذِكْر العاهات لرُواةِ الحديث.
          روى أبو حاتمٍ الرَّازيُّ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ قال: سُئل ابن المبارك، عن الرجل يقول: حُمَيْدٌ الطَّويلُ، سُلَيْمَانُ الأعمشُ، حُمَيْدٌ الأعرجُ، ومروانُ الأصفَرُ. فقال عبد الله: إذا أراد صِفته ولم يُرِد عَيْبه فلا بأس.
          وسُئل عبد الرَّحمن بن مَهْدِيٍّ عن ذلك، فقال: لا أراه غيبةً، ربَّما سمعتُ شُعْبَة يقول ليحيى بن سَعِيْدٍ: يا أحولُ / ما تقول؟ يا أحولُ، ما ترى؟ ذكره ابن القُرْطِبيِّ في كتاب «الألقاب».