التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: كيف يكون الرجل في أهله؟

          ░40▒ بَابٌ: كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ؟
          6039- ذكر فيه حديث الأسودِ قال: سألتُ عائِشَة ♦: (مَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاة قَامَ إِلَى الصَّلَاة).
          هذا الحديث سلف في الصلاة [خ¦676].
          والمِهنة _بكسر الميم وفتحها_ قال شَمِرٌ عن مشايخِهِ: هي بنصب الميم، وكسرها خطأٌ، وكذا في «الصِّحاح» أنَّها بالفتح، وزاد: حكى أبو زيدٍ والكِسَائيُّ الكسر، وأنكرَه الأصْمَعِيُّ. قال ابن التِّين: وبالكسر قرأناه.
          ولا شكَّ أنَّ أخلاق الأنبياء والمرسلين التَّواضع والتذلُّل في أفعالهم والبُعد عن الترفُّه والتنعُّم، وكانوا يمتهِنُون أنفسهم فيما تعيَّن لهم ليسُّنوا بذلك فيُسلكَ سبيلهم وتُقْتَفَى آثارهم.
          وقول عائِشَة ♦: (كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ)، يدلُّ على دوام ذلك مِن فعلهِ متى عَرَض له ما يحتاج إلى إصلاحه؛ لئلَّا يخلُدَ إلى الدَّعَة والرَّفَاهيَّة التي ذمَّها الله وأخبر أنَّها مِن صِفات غير المؤمنين، فقال: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل:11].
          روى سُفْيَان، عن هِشَامٍ بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عائِشَة ♦ أنَّه سألها: ((ما كان عَمَلُ رسول الله صلعم في بيته؟ قالت: يخصِفُ النَّعل ويُرَقِّعُ الثَّوب)).
          وفي حديثٍ آخر: ((أمَّا أنا فأتَّزر بالكِسَاء وأجلس بالأرضِ وأحلِبُ شاة أهلي))، وقال ابن مَسْعُودٍ: إنَّ الأنبياء مِن قبلكم كانوا يَلْبَسُون الصُّوف ويركبون الحُمُر ويَحْلِبون الغنم. وهذه كانت سيرةُ سلفِ هذه الأمَّة، ويأتي في باب التواضُع مِن الرِّقاق جُملةٌ مِن سيرتهم في ذلك.