التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من النميمة

          ░50▒ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ.
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] و{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]. يَهْمِزُ ويَلْمِزُ ويَعِيبُ: واحدٌ.
          6056- ذكر فيه حديث منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن همَّام _ابن الحارثِ النَّخَعِيِّ الكُوفيِّ، مات في ولاية الحجَّاج_ قال: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ).
          الشَّرح: هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا باللفظ المذكور، وفي آخره ((نمَّامٌ)) بدله وهو هو كما يأتي، واللُّمَزَة: مَن يغتابُكَ في وجهكَ. والهُمَزَة: الذي يغتابُكَ بالغيب، قاله اللَّيث. وحكى النَّحَّاس عن مُجَاهِدٍ عكسَه. وفي «الكتاب» أنَّهما شيءٌ واحدٌ، وقاله مُحَمَّد بن كعْبٍ والجَوْهرِيُّ والهَرَويُّ.
          ويَلْمِز مثلَّث الميم، والكسر لغة القرآن. وقال أهل التأويل: الهمَّازُ: الذي يأكلُ لُحوم النَّاس. ويُقال: هم المشَّاؤون بالنَّميمة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون للبرآء العيبِ.
          والقتَّاتُ: النَّمَّامُ، عند أهل اللغة بفتح القاف وتشديد المثنَّاة فوق. قال الجَوْهرِيُّ وغيره: يقال: نَمَّ الحديثَ يَنِمُّهُ، وينُمُّهُ _بكسر النُّون وضمِّها_ نمَّاً، والرجل نَمَّامٌ وَنَمٌّ. وفيه: يَقتُّهُ _بضمِّ القاف_ قتًّا.
          ومعنى: (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ): إن أنفذَ الله عليه الوعيد لأنَّ أهل السُّنَّة مُجْمِعُون أنَّ الله تعالى في وعيده بالخِيَار، إن شاء عذَّبهم بعدله، وإن شاء عَفَا عنهم بفضلِهِ، أو يؤوَّل على أنَّه لا يدخلها دخول الفائزين، أو يحمل على المستحلِّ بغير تأويلٍ مع العِلْم بالتحريم، قال ابن بطَّالٍ: وقد فرَّق أهل اللغة بين النَّمَّام والقتَّاتِ، فذكر الخطَّابيُّ / أنَّ الأوَّل الذي يكون مع القوم يتحدَّثُون فَيَنُمُّ حديثهم، والثاني الذي يتسَمَّع على القوم وهم لا يعلمون ثمَّ يَنُمُّ حديثهم. والقسَّاس: الذي يَقسُّ الأخبار. أي يسألُ عنها، ثمَّ يَنْشرُها على أصحابهِ.
          فَصْلٌ: وقوله: (فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا) هو إبراهيمُ بن يَزِيْدَ بن الأسودِ النَّخَعِيُّ الكُوفِيُّ الفقيهُ.
          وقوله: (يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَان) أراد تحذيره ممَّا وقع فيه، قاله الدَّاوُدِيُّ. ولا يُوافِق قول حُذيفَةَ؛ لأنَّه لا يُقَال فيه الحديث الذي ذكره حُذَيفةُ إذا كان يرفعُهُ على هذا الوجه، لكن يتأوَّل في ذلك جوازه، وتأوَّل عليه حُذَيفة أنَّه فعلَهُ غِيبةً.