التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: ما يدعى الناس بآبائهم

          ░99▒ بَابُ يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ.
          6177- ذكر فيه حديث ابن عُمَر ☻، عن النَّبِيِّ صلعم قال: (الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ).
          6178- وعنه: (إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ هذه:..) الحديث.
          اللِّواء: ممدودٌ.
          وقوله: (هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ) فيه ردٌّ لقول مَن زعَمَ أنَّه لا يُدعى النَّاس يوم القيامة إلَّا بأُمَّهاتهم لأنَّ فيه سَتراً على أمَّهاتهم، ومِصْداقُ هذا الحديث في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] قال أهل التفسير: الشُّعوب: النَّسَب الأبعَدُ، والقبائل: النَّسَبُ الأقرب. يُقال: فلانٌ مِن بني فلانٍ. غير أنَّ النَّسب إلى الآباء وإن كان هو الأصلُ، فقد جاء في حديثٍ أن يُدعى المرء بأحبِّ أسمائه إليه، وأحبُّها إليه أن يُدعى بكُنيته لِمَا في ذلك مِن توقيرهِ، والدُّعاء بالآباء أشدُّ في التعريف وأبلغُ في التمييز، وبذلك نطق الكتاب والسنَّة. وقد كان الأعراب الجُفَاة يأتون رسول الله صلعم وهو جالِسٌ مع أصحابه فيقولون: أيُّكم مُحَمَّدُ بن عبد المطَّلِب؟ ولا يذكرون ما شرَّفه الله به من النُّبوَّة المعصومةِ والرِّسالة المؤيَّدةِ، فلا يُنْكِر ذلك عليهم لِمَا خصَّه الله تعالى به مِن الخُلُق العظيم، وَجَبَلَه عليه مِن الطَّبع الشَّريف.
          فَصْلٌ: وفيه: جواز الحكم بظواهر الأمور إذا لم يكن عَلِم بواطنها لأنَّه قد يجوز أن يكون كثيرٌ مِن النَّاس فيمن يُدعى إلى أبيهِ في الظَّاهر وليس كذلك في الباطن.
          ودلَّ عموم هذا الحديث على أنَّه إنَّما يُدعى النَّاس بالآباء، ولا يلزمُ داعيَهم البحث عن حقيقةِ أمورهم والتنقيرِ عنهم.