شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي

          ░102▒ بَابُ: اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ(1) وَهُوَ يُصَلِّي.
          وَكَرِهَ(2) عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يُصَلِّي(3)، وَهَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ، فَأَمَّا(4) إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ، فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لا يَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ: (ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ، فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ، فقَالَتْ: لَقَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يُصَلِّي(5)، وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ على السَّرِيرِ، فَتَكُونُ لِيَ الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا)(6). [خ¦511]
          ذهبَتْ(7) طائفةٌ مِن العلماء إلى أنَّ الرَّجُل يستر الرَّجُل إذا صلَّى، إلَّا أنَّ أكثرهم كرِهَ أن يستقبلَهُ بوجهِهِ، قال نافعٌ: كان ابنُ عُمَرَ إذا لم يجد سبيلًا إلى ساريةٍ مِن سواري المسجد قال لي: وَلِّني ظهرك، وهو قول مالكٍ، وروى أَشْهَبُ عنه(8) أنَّه لا بأسَ أن يُصَلِّي إلى ظهر رَجُلٍ وأمَّا(9) إلى جنبِهِ فلا، وحقَّقَه مالكٌ في رواية ابنِ نافعٍ في «المجموعة»، وقال النَّخَعِيُّ وقَتَادَةُ: يستر الرَّجُلُ الرَّجُلَ في الصَّلاة إذا كان جالسًا، وقال الحَسَنُ: يستر المُصَلِّي ولم يشترط أن يكون جالسًا ولا مُولِّيًا ظهرَه إلى المُصَلِّي. وأجاز الكوفيُّون والثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ الصَّلاة خلف المُتَحَدِّثِينَ. وقال(10) ابنُ سِيرِينَ: لا يكون الرَّجُل سُتْرَةً للمُصَلِّي(11). ودليلُ هذا الحديث حُجَّةٌ لمن أجاز ذلك لأنَّ المرأة إذا كانت في قِبْلَةِ النَّبيِّ صلعم، فالرَّجُل أَولى بذلك والَّذين كرهوا استقبالَهُ كرهوا ذلك لما يُخشى عليه مِن استقبالِهِ(12) بالنَّظر إليه عن صلاتِهِ، ولهذا كرِهَ الصَّلاةَ إلى الحِلَقِ لما فيها مِن الكلام واللَّفظ المُشغلَين للمُصَلِّين. ورُوِيَ(13) عن مالكٍ في «المجموعة» قالَ: لا يُصَلِّي إلى المُتَحَلِّقِينَ؛ لأنَّ بعضَهم يستقبلُهُ، وأرجو أن يكون واسعًا. وكَرِه الصَّلاةَ إلى المُتَحَدَّثِينَ ابنُ مَسْعُودٍ. وكان ابن عُمَرَ لا يُصَلِّي خلف رَجُلٍ يتكلَّم إلَّا يوم الجُمْعَةِ. وقالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: إذا كانُوا يَتَحَدَّثُونَ بذكرِ اللهِ فلا بأس أن يأتمَّ بهم.


[1] في (م): ((الرَّجُل)) لم يتكرر.
[2] في (م): ((وكرهه)).
[3] قوله: ((أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يصلِّي)) ليس في (م).
[4] في (م): ((وأمَّا)).
[5] قوله: ((يصلِّي)) ليس في (م).
[6] قوله: ((وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ على السَّرِيرِ، فَتَكُونُ لِيَ الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلُّ انْسِلالًا)) ليس في (م) وبدله قوله: ((الحديث)).
[7] في (م): ((ذهب)).
[8] في (م): ((روى أشهب عن مالك)).
[9] في (م): ((فأما)).
[10] في (ص): ((قال)).
[11] في (م): ((المصلِّي)).
[12] في (ص): ((اشتغاله)).
[13] في (م): ((للمصلِّي، روى عليٌّ)).