شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحلق والجلوس في المسجد

          ░84▒ بَابُ: الحِلَقِ وَالجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ قَالَ: (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلعم وَهُوَ(1) على المِنْبَرِ، مَا تَرَى فِي صَلاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى). [خ¦472]
          وقَالَ مَرَّةً: أَنَّ رَجُلًا نَادَى النَّبِيَّ صلعم وَهُوَ فِي المَسْجِدِ. [خ¦473]
          وفيهِ: أبو وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: (بَيْنَمَا النَّبيُّ(2) صلعم فِي المَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إلى رَسُولِ اللهِ(3)، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ،(4) فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ(5) قَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلاثَةِ؟، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إلى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ). [خ¦474]
          أجمع العلماء على جواز التَّحَلُّقِ(6) والجلوسِ في المسجدِ لذكرِ اللهِ وللعلمِ. قال المُهَلَّبُ: وشبَّه البخاريُّ في حديث(7) جلوس الرِّجال في المسجد حول النَّبيِّ صلعم وهو يخطبُ(8) بالتَّحلُّق والجلوس في المسجد للعلم. وفيه: أنَّ الخطيبَ إذا سُئِلَ عن أمرِ الدِّين أنَّ له أنْ يجاوبَ من سألَهُ ولا يضرُّ ذلك خُطْبَتَهُ. وفيه: فضل حِلَقِ الذِّكْرِ، لقولِهِ: (أَوَى إلى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ). قال(9) غيرُهُ: وفيه سدُّ الفُرَجِ في حِلَقِ الذِّكْرِ، وقد جاء في سدِّها في صفوف الصَّلاة وفي الصَّفِّ في سبيل الله، ترغيبٌ وآثارٌ، ومعلومٌ أنَّ حِلَقَ الذِّكْرِ مِن سبيل الله. وفيه: أنَّ التَّزاحمَ بين يدي العالم مِن أفضل أعمالِ البِرِّ، ألا ترى قول لُقْمَانَ لابنِهِ: يا بُنيَّ جَالِسِ العلماءَ وزاحمْهُم بركبتِكَ(10)، فإنَّ اللهَ يحيي القلوبَ بنورِ الحكمةِ، كما يحيي الأرضَ بوابلِ السَّماءِ. وفيهِ: مِن حسنِ الأدبِ أن يجلسَ المرءُ حيثُ انتهى به مجلسُهُ، ولا يُقيمُ أحدًا، وقد رُوِيَ ذلك عَنِ النَّبيِّ صلعم.(11) وفيه: ابتداء العالم جلساءَه بالعلم قبل أن يُسألَ عنه(12). وفيه: مدحُ الحياءِ والثناءِ على صاحبِهِ. وفيه: ذمُّ مَن زهدَ في العلمِ واستجازة القول فيه؛ لأنَّه لا يدبر أحدٌ(13) عن حلقة رسول اللهِ صلعم(14) وفيه خير.
          وقوله: (فأَوَى إلى اللهِ) غير ممدود(15) (فَآوَاهُ اللهُ)، بالمدِّ، يُقَالُ: أويْتُ إلى الشَّيءِ _بقصر الهمزة_ دخلْتُ فيهِ، قالَ اللهُ تعالى: {إِذْ أَوَى الفِتْيَةُ إلى الكَهْفِ}[الكهف:10]، وآويْتَ غيركَ إذا ضممْتَهُ إلى نفسِكِ _بالمدِّ(16)_ قالَ اللهُ تعالى(17): {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى:6].


[1] زاد في (م): ((يخطب)).
[2] في (ص): ((الرسول)).
[3] زاد في (م): ((صلعم)).
[4] زاد في المطبوع و(ص): ((وَأَمَّا الآخَرُ فَأدبَر ذاهبًا)).
[5] زاد في (م): ((صلعم)).
[6] في (م): ((الحلق)).
[7] قوله: ((في حديث)) ليس في (م).
[8] زاد في (م): ((في حديث ابن عمر)).
[9] في (م): ((وقال)).
[10] في (م): ((بركبتيك)).
[11] قوله: ((من حسن الأدب أن يجلس المرء حيث انتهى به مجلسُه، ولا يُقيمُ أحدًا، وقد رُوِيَ ذلك عنِ النَّبيِّ صلعم)) ليس في (م).
[12] قوله: ((عنه)) ليس في (م).
[13] في (ص): ((أحدًا)).
[14] قوله: ((وفيه: ذمُّ مَن زهد في العلم واستجازة القول فيه؛ لأنَّه لا يدبر أحدٌ عن حلقة رسول الله صلعم))ليس في (م).
[15] في (م): ((إلى الله، بالقصر)).
[16] في (م): ((بمدِّ الهمزة)).
[17] في (ص): ((قال تعالى)).