شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين

          ░60▒ بَابُ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ.
          فيهِ: أبو قَتَادَةَ، أنَّ النَّبيَّ(1) صلعم قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يَجْلِس).(2) اتَّفق جماعةُ أئمَّةِ(3) الفتوى على أنَّ تأويل هذا الحديث محمولٌ على النَّدْبِ والإرشاد مع استحبابهم الرُّكوع لكلِّ مَن دخل المسجد، وهو طاهرٌ في وقت تجوز فيه النَّافلة(4). [خ¦444]
          قال مالكٌ: ذلك حَسَنٌ وليس بواجبٍ. وأوجبَ ذلك أهل الظَّاهر فرضًا على كلِّ داخلٍ في وقت تجوزُ فيه الصَّلاة(5) وقال بعضهم: ذلك واجبٌ في كلِّ وقتٍ؛ لأنَّ فعل الخير لا يُمْنَعُ(6) منه إلَّا بدليلٍ لا معارض له. قال الطَّحَاوِيُّ: وحُجَّة الجماعة أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَمَرَ سُلَيْكًا حينَ جاءَ يومَ الجمعةِ وهو يَخْطِبُ أنْ يركعَ ركعتين، وأَمَرَ مَرَّةً أُخرَى رَجُلًا رآه يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ بالجلوسِ ولم يَأْمُرْه بالرُّكُوعِ، حَدَّثَنَا(7) بحرُ(8) بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ عَنْ أبي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ قَالَ: جَاءَ رجلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ في(9) يَوْمِ الجمعةِ فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم: ((اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ))، فهذا يُخَالِفُ حديثَ سُلَيْكٍ، واستعمال الأحاديث هو على ما تأوَّلها عليه(10) جماعة الفقهاء. قال الطَّحَاوِيُّ: وأمَّا قول مَن قال مِن أهل الظَّاهر: إنَّ عليه أن يركعَ في كلِّ وقتٍ دخلَ المسجدَ فهو خطأٌ؛ لِنَهْيهِ صلعم عَنِ الصَّلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وغير ذلك مِن الأوقات المنهي عنها، / فمَن دخل المسجد في هذه الأوقات، فليس بداخلٍ في أمرِهِ صلعم بالرُّكوعِ عندَ دخولِهِ في المسجدِ(11)، وإنمَّا يدخلُ في أمرِهِ بذلك كلُّ مَنْ لو كانَ في المسجدِ قبلَ ذلكَ فأرادَ الصَّلاةَ كانَ له ذلك، فأمَّا(12) مَن لو كان في المسجدِ قبل ذلك(13) لم(14) يكن له أن يُصَلِّي، فليس بداخلٍ في ذلك.
          وقد رُوِيَ عن جماعةٍ مِن السَّلف أنَّهم كانوا يمرُّون في المسجد ولا يركعون، فروى(15) ابنُ أبي شَيْبَةَ عن(16) عبدِ العزيزِ(17) الدراورديِّ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ قالَ: كانَ كِبَارُ(18) أصحابِ رَسُولِ اللهِ صلعم يدخلُون المسجدَ ثمَّ يخرجُون ولا يُصَلُّون. قالَ زيدٌ: وقد رأيْتُ(19) ابنَ عُمَرَ يفعلُهُ، وذكر ذلك مالكٌ عن زيدِ بنِ ثابتٍ وسالمِ بنِ عبدِ اللهِ، وكان القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ يدخلُ المسجدَ، فيجلسَ فيه ولا يُصَلِّي وفعلَهُ الشَّعْبِيُّ، وقال جابرُ بنُ زيدٍ: إذا دخلتَ مسجدًا فَصَلِّ فيه، فإن لم تُصلِّ فيه(20) فاذكرِ اللهَ فكأنَّك قد صَلِّيْتَ.


[1] في (ص): ((نبي الله)).
[2] زاد في (م): ((قال)).
[3] في المطبوع و(ص): ((أهل)).
[4] في (م): ((الصَّلاة)).
[5] قوله: ((قال مالكٌ: ذلك حَسَنٌ وليس بواجب. وأوجب ذلك أهل الظَّاهر فرضًا على كلِّ داخلٍ في وقت تجوز فيه الصَّلاة)) ليس في (م).
[6] في (م): ((يمتنع)).
[7] زاد في (م): ((به)).
[8] في (ص): ((يحيى)).
[9] قوله: ((في)) ليس في (م) و(ص).
[10] قوله: ((عليه)) ليس في (م).
[11] في (ص): ((دخول المسجد)).
[12] في (م): ((وأمَّا)).
[13] قوله: ((فأرادَ الصَّلاةَ كانَ له ذلك، فأمَّا مَن لو كان في المسجدِ قبل ذلك)) ليس في (ص).
[14] في (م) و(ص): ((ولم)).
[15] في (م): ((قال)).
[16] في (م): ((حدَّثنا)).
[17] زاد في (م): ((بن محمَّد)). في(ص): ((عبد العزيز ابن)).
[18] قوله: ((كبار)) ليس في (ص).
[19] في (م): ((ورأيت)).
[20] قوله: ((فيه)) ليس في (م).