شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس

          ░86▒ بَابُ: / المَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ، مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لِلنَّاسِ(1) فِيهِ(2).
          وَبِهِ قَالَ الحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِكٌ.
          فيه: عائشة: (لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَايَ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا(3) يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلعم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثمَّ بَدَا لأبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ، إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ). [خ¦476]
          وقالَ(4) المؤلِّفُ: أمَّا بناء المسجد في الطَّريق، فذكر ابنُ شَعْبَانَ(5) في كتاب «الزَّاهي» قال: وينبغي أن تُجتنبَ الصَّلاة في المساجد المبنيَّة حيث لا يجوز بناؤُها مِن الطُّرقات والفحوص ومراسي السُّفن؛ لأنَّها وُضِعَتْ في غير حقِّها، فمن صَلَّى فيها متأوِّلًا أنَّه يُصَلِّي في الطَّريق وحيث ما له منه مثل ما لغيرِهِ أجزأَتْهُ صلاتُهُ، قالَ: ولو كانَ مسجدٌ(6) في فحصٍ(7) واسعٍ، وأراد(8) الإمام أنَّ يزيد فيه من الفحصِ ما لا يضرُّ بالسَّالكين(9) لم يُمنع عند مالكٍ، ومُنع في قول رَبِيْعَةَ، وهو الأصحُّ عندي، وإنَّما اخترتُ قول رَبِيْعَةَ لأنَّه غير عائدٍ إلى جميعهم، قد ترتفق به الحائض والنُّفساء، ومن لا يجب عليه الصَّلاة(10) من الأطفال ومَن يسلكُه مِن أهل الذِّمَّة. ووجه قول مالكٍ: أنَّ الزِّيادة في المسجد هي لهم وإليهم تعود، قال غيرُه: والحُجَّةُ(11) لقول مالكٍ ابتناءُ أبي بَكْرٍ ☺ مسجدًا بفناء دارِه، ووجه ذلك أنَّ أفنية الدُّور، وإن كان لا ينبغي لأحدٍ استحقاق شيءٍ منها، ولا الانفراد بمنافعها دون غيرِه مِن السَّالكين، فإنَّ المسجد بقعةٌ لجماعة المسلمين، ولا يجوز لأحدٍ تملُّكه، هو(12) في معنى الطَّريق في المنفعة(13) لجماعة المسلمين(14)، بل هو أكثر نفعًا لإقامة الصَّلاة فيه الَّتي هي أعظم أمور الإسلام، وأنَّ الاحتياط في إقامتها أفضل مِن الاحتياط في إرفاق الصَّبيِّ والحائض والذِّمِّيِّ في سَعة الطَّريق، إذا بقي منه ما لا يضرُّ بالمارَّة والسَّالكين، وإلى قول مالكٍ ذهب البخاريُّ في ترجمتِه وفيه: مِن فضل أبي بَكْرٍ(15) ما لا يشاركُهُ فيه أحدٌ؛ لأنَّه قصد تبليغ كتاب الله تعالى وإظهارِه مع الخوف على نفسِه، ولا يبلغ أحدٌ هذه المنزلة بعد النَّبيِّ صلعم.


[1] في (م): ((بالنَّاس)).
[2] قوله: ((فيه)) ليس في (م).
[3] في (م): ((عليهما)).
[4] في المطبوع و(م) و(ص): ((قال)).
[5] في (ص): ((سفيان)).
[6] في (ص): ((بمسجد)).
[7] زاد في المطبوع: ((واحدٍ)).
[8] في المطبوع و(م) و(ص): ((فأراد)).
[9] في (ص): ((بالمالكين)).
[10] في (م): ((صلاة)).
[11] في (م): ((ويشهد)).
[12] في (م): ((فهو)).
[13] في المطبوع: ((البقعة)).
[14] قوله: ((ولا يجوز لأحدٍ تملُّكه، هو في معنى الطَّريق في المنفعة لجماعة المسلمين)) ليس في (ص).
[15] زاد في (م): ((الصِّدِّيق ☺)).