شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة في النعال

          ░24▒ بَابُ: الصَّلاةِ فِي النِّعَالِ.
          فيه: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ(1) قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ). [خ¦386]
          قالَ المُؤَلِّفُ(2): معنى هذا الحديث عند العلماء إذا لم يكن في النَّعلين نجاسةٌ فلا بأس بالصَّلاة فيهما، فإن(3) كان فيهما نجاسةٌ فليمسحهما ويُصَلِّي(4) فيهما.
          وقد رُوِيَ هذا المعنى عنِ النَّبيِّ صلعم روى حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: بينما رَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي(5) إذ خلع نعليه فوضعهما على(6) يساره، فلما رأى النَّاس ذلك ألقَوا نِعَالَهُمْ، فلما قضى رَسُولُ اللهِ صلعم صلاته، قال: ((مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟))، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ(7) فَأَلْقَيْنَا، قَالَ(8): ((إنَّ جِبْرِيْلَ أَخْبَرَنِي أنَّ فِيْهِمَا أَذًى _أَوْ قَذَرًا_ فَأَلْقَيْتُهُمَا فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلَيْنَظُرْ، فَإِنْ كَانَ فِيْهِمَا أَذًى أَوْ قَذَرٌ(9) فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيْهِمَا)).
          واختلف العلماء في تطهير / النِّعال والخُفَّين(10) مِن النَّجاسات، فقالت طائفةٌ: إذا وطئ القذر الرَّطب يجزئه أنْ يمسحه بالتُّراب ويُصَلِّي فيه؛ هذا قول الأوزاعيِّ وأبي ثَوْرٍ.
          وقال أحمدُ في السَّيف يصيبُهُ الدَّمُ، فيمسحه وهو حارٌ: يُصَلِّي فيه(11) إذا لم يبق فيه أثرٌ، وكان عُرْوَةُ والنَّخَعِيُّ يمسحان الرَّوث مِن نعالهما ويُصَلِّيان فيها(12).
          وقالَ الأَعْمَشُ: رأيت يحيى بنَ وَثَّابٍ وعبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ(13) وغيرهما يخوضون الماء قد خالطه السِّرقين والبول، فإذا انتهوا إلى باب المسجد لم يزيدوا على أنْ ينفضوا أقدامهم ثمَّ يدخلون في الصَّلاة.
          وقالت طائفةٌ: لا يجزئه أنْ يُطَهِّرَ القَذَرَ الرَّطب إلَّا بالماء، وإن كان يابسًا أجزأه حَكُّهُ، هذا قول مالكٍ وأبي حنيفةَ، وقال مُحَمَّدٌ: لا يجزئه في اليابس أيضًا حتَّى يغسل موضعه مِنَ الخُفِّ والنَّعْلِ(14) وغيره إلَّا المنيِّ خاصَّة، وقال الشافعي: لا يُطَهِّرُ النَّجاسات كلَّها إلَّا الماء(15) في النَّعل والخُفِّ وغيره.
          واحتجَّ أهل المقالة الأولى أيضًا بحديث سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنِ القَعْقَاعِ بنِ حَكِيْمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم عَنِ الرَّجُلِ يَطَأُ بِنَعْلِيْهِ الأَذَى قَالَ: ((التُّرَابُ لَهُ طَهُوْرٌ))، وحديث سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ: أَنَّ امرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنِ المرأةِ تَجُرُّ ذَيْلَهَا في المَكَانِ القَذِرِ قَالَتْ: ((يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ)).
          وقال ابنُ أبي زيدٍ: قالَ أبو بَكْرٍ بنُ اللَّبَّادِ: قال(16) بعض أصحابنا: معنى قوله: ((يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ))، أنَّها تسحب ذيلها على أرضٍ نديَّةٍ نجسةٍ، وقد رخصَّ(17) لها أن ترخيه بعد ذلك على أرضٍ طاهرةٍ فذلك له طهورٌ، قال مالكٌ: معناه عندنا في القَشَبِ اليابسِ الَّذي لا يتعلَّق منه شيءٌ بالثَّوب(18)، وقد سمح في(19) الرَّطب من أرواث الدَّواب وأبوالها لما يلحق النَّاس مِن المضرَّةِ في غسله في كلِّ وقتٍ، إذ لا تخلو الطُّرُق مِن أرواث الدَّواب وأبوالها.
          وقالَ الدَّاوُدِيُّ: قال بعض أصحاب مالكٍ بظاهر الحديث، ورأى ذلك في الرَّطب واليابس، وذكر غير الدَّاوُدِيِّ أنَّه قول ابنِ وَهْبٍ قال: وهذا قول أبي حنيفةَ وأصحابُه؛ لأنَّه يقول: إنَّ النَّجاسات يجوزُ إزالتَها بكلِّ مَا أذهبَ عينَها، والماء وغيره في ذلك سواءٌ، واحتجَّ مَن قال: إنَّه في القذر الرَّطب: بأنَّ قوله ◙: ((يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ))، يدلُّ أنَّها جَرَّتْهُ على رطبٍ، وإلَّا فنحنُ عالمون أنَّها(20) إذا جَرَّتْهُ على يابسٍ لم يعلق به شيءٌ مِن النَّجس، فكيف يخبر أنَّه قد طهر ما لم يحلَّ فيه نجاسةٌ.


[1] قوله: ((بن مالك)) ليس في (م).
[2] قوله: ((قال المؤلِّف)) ليس في (م).
[3] في (م): ((وإن)).
[4] في المطبوع و(م) و(ص): ((وليُصَلِّي)).
[5] قوله: ((يصلِّي)) ليس في (م).
[6] في (م): ((عن)).
[7] قوله: ((نعليك)) ليس في (م).
[8] في (م): ((فقال)).
[9] في المطبوع و(ص): ((قذرًا)).
[10] في (م): ((والخفاف)).
[11] في (م): ((يصيبه الدَّم يمسحه ويصلِّي فيه)). قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[12] في (م): ((فيهما)).
[13] في المطبوع: ((عيَّاش)). في (ص): ((وعبيد الله بن عياش)).
[14] في (م): ((من النَّعل والخُفِّ)).
[15] في (م): ((لا تطهر النَّجاسات كلَّها إلَّا بالماء)).
[16] في (م): ((وقال)).
[17] في (م): ((أرخص)).
[18] قوله: ((بالثَّوب)) ليس في المطبوع، وفي (م): ((منه بالتُّرب شيءٌ)). في (ص): ((في الثوب)).
[19] في (م): ((وقد أسمح فيه في)).
[20] قوله: ((أنها)) ليس في (ص).