شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كفارة البزاق في المسجد

          ░37▒ بَابُ: كَفَّارَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ.
          فيهِ: أَنَسٌ: قَالَ النَّبيُّ(1) صلعم: (البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ خَطِيْئَةٌ وَكَفَّارَتُها دَفْنُهَا). [خ¦416]
          إنَّما كان(2) البُزَاق في المسجد خطيئةٌ لنهيه صلعم عنها، ومَن فعل ما نُهي عنه فقد أتى بخطيئةٍ، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلعم عَلِمَ أنَّه لا يكاد يسلم مِن ذلك؛ فعرَّف أمَّته كفَّارة(3) تلك الخطيئة، وأمَرَ المُصَلِّي أن يبزق في ثوبه، أو تحت قَدَمِهِ ليعركه ويغيِّره ولا(4) تقع عليه عين أَحَدٍ، غير أنَّ ارتكاب الخطيئة لا يكون إلَّا بالقصد والعلم بالنَّهي عنها، وأمَّا مَن غلبته النُّخَامة فقد نُدِبَ إلى دَفْنِهَا وحَتِّها وإزالتها، ومَن فعل ما نُدِبَ إليه فمأجورٌ.
          وروى الطَّبَرِيُّ قال: حدَّثنا عَمْرُو بن عليٍّ(5) حدَّثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ(6) عن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ عن عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بن أبي عَتِيْقٍ عن عامرِ(7) بنِ سَعْدٍ عن أبيهِ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يقولُ: ((إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ في المَسْجِدِ فَلْيُغَيِّبْ نُخَامَتَهُ لَا تُصِيْبُ جِلْدَ مُؤْمِنٍ أَوْ ثَوْبَهُ فَتُؤْذِيْهِ)).
          قالَ الطَّبَرِيُّ: وفي هذا مِن الفقه ترخيص النَّبيِّ صلعم في التَّفل في المسجد والتَّنخُّم فيه إذا دفَنه، وأبان عن معنى كراهيته(8)◙ لذلك إذا لم تُدفن، وذلك أن تصيب جلد مؤمنٍ أو ثوبه فتؤذيه، وإذا كان ذلك كذلك فَبَيِّنٌ أنَّ متنخِّمًا لو تنخَّم في المسجد في غير قِبْلَتِهِ بحيث يأمن أن تصيب جلد مؤمنٍ أو ثوبه، فلا حرَج عليه فيه واستُحبَّ له أن يدفنه، وإن كان بموضعٍ يأمن أن يصيب به أحدًا لقوله صلعم: (البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ خَطِيْئَةٌ وَكَفَّارَتُها دَفْنُهَا)، فيَعُمُّ(9) بذلك المسجد كلَّه، ولم يخصص منه موضعًا دون موضعٍ، فخبرُ سعدٍ مُفسِّرٌ لما أُجْمِلَ في حديث أَنَسٍ وأبي هريرةَ، وأَمرهُ بدفنها إنَّما هو في الحال الَّتي يُخشى فيها أن تصيب جلد مؤمنٍ أو ثوبه.


[1] في (ص): ((نبي الله)).
[2] في (م): ((قالَ المُؤَلِّفُ: قال بعض شيوخي: إنَّما كان)).
[3] في (م): ((بكفارة)).
[4] في (م): ((فلا)).
[5] في (م): ((يعلى)).
[6] في (م): ((عذب)).
[7] في (ص) أشار إلى الحاشية وكتب: ((عند)).
[8] في المطبوع و(ص): ((كراهته)).
[9] في المطبوع و(م) و(ص): ((يعمُّ)).