شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

          ░18▒ بَابُ: الصَّلاةِ فِي السُّطُوحِ وَالمِنْبَرِ وَالخَشَبِ(1).
          قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ(2): وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى على الجُمْدِ وَالقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.
          وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ على ظَهْرِ المَسْجِدِ بِصَلاةِ الإمَامِ وَصَلَّى ابنُ عُمَرَ على الثَّلْجِ.
          فيهِ: أَبُو حَازِمٍ: سَأَلُوا سَهْلَ بنَ سَعْدٍ(3) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ المِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ في النَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلانٌ مَوْلَى فُلانَةَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ عُمِلَ، وَوُضِعَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ(4)، ثمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى، فَسَجَدَ على الأرْضِ، ثمَّ عَادَ إلى المِنْبَرِ، ثمَّ قَرَأ ثمَّ رَكَعَ، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى، حَتَّى سَجَدَ بِالأرْضِ، فَهَذَا شَأْنُهُ. [خ¦377]
          قَالَ عليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سألني أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ☼ عن هذا الحديث قال: فإنَّما(5) أردْتُ أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ فلا بأسَ أنْ يكونَ الإمامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ لهذا(6) الحديث، قالَ: فقُلْتُ: إنَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ كانَ يسألُ عن هذا كثيرًا، فلمْ تَسْمَعْهُ منهُ؟ قالَ: لَا(7).
          وفيهِ أَنَسٌ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم سَقَطَ عَنْ فَرَسٍ(8)، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ)، وذكر الحديث. [خ¦378]
          اختلف العلماء في الإمام يُصَلِّي أرفع مِن المأمومين، فأجاز ذلك اللَّيْثُ والشَّافعيُّ، واحتجَّا بهذا الحديث وزاد الشَّافعيُّ: إذا أراد الإمام تعليمهم ليقتدي به مَن وراءه ويسجد(9) على الأرض.
          وفيه: فلمَّا(10) فرغَ النَّبيُّ صلعم أقبلَ على النَّاسِ فقالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ(11) إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي(12) وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي))، ذكره البخاريُّ في صلاة الجمعة وكرِه ذلك أبو حنيفةَ، وقال: صلاتهم تامَّةٌ، وقال الأوزاعيُّ: لا يجزئ ذلك حتَّى يستوي معهم بالأرض، وقال أبو يُوسُفَ: إن كان موضع الإمام أرفع بقدرِ قامةٍ فهو المكروه، وإن كان أقلَّ فليس بمكروه.
          وقد قيل: إنَّ المنبرَ الَّذي صَلَّى عليه النَّبيُّ صلعم كان بثلاث درجاتٍ، رُوِيَ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وقال مالكٌ: لا يعجبني إنْ صَلَّى(13) إمامٌ على ظهر المسجدِ والنَّاس أسفل منه أو(14) يُصَلِّي على شيء أرفع مما عليه أصحابه، فإن فعل فعليهم الإعادة أبدًا؛ لأنَّهم يعبثون إلَّا أن يكون ارتفاعًا يسيرًا فصلاتهم مجزئةٌ.
          وقالَ ابنُ أبي زَيْدٍ: قال بعض أصحابنا: إنَّ الشَّبْرَ وعَظْمَ الذِّراعِ خفيفٌ في ذلك، وقال فَضْلُ بنُ سَلَمَةَ: وقوله: (يعبثون) يدلُّ أنَّما ذلك إذا كان(15) الإمام يُصَلِّي بموضعٍ واسعٍ ويُصَلِّي بصلاته ناسٌ أسفل منه، وهم يقدرون على أن يُصَلُّوا معه في مكانه، فأمَّا إذا كان الموضع قد ضاق بأهله فلا بأس أن يُصَلِّي بصلاة الإمام ناسٌ أسفل منه، وروى أَشْهَبُ عن مالكٍ: فيمن أتى مسجدًا مغلقًا قد امتلأ، فله أن يُصَلِّي أسفل في الفضاء بصلاة الإمام، وروى ابنُ وَهْبٍ عن مالكٍ أنَّه إذا صَلَّى إمامُ القومِ في السَّفينةِ وبعضهم تحته وفوقه فلم يجدوا(16) بُدًّا منه فلا بأس.
          قال ابنُ اللَّبَّادِ: إنَّما كره مالكٌ هذا؛ لأنَّ بني أُمَيَّةَ فعلوه على وجه الكِبْرِ والجبريَّة(17) فرآه من العبث ومما يفسد الصَّلاة، وقال غيره: لا(18) معنى لقول مَنْ قال: لا يجوز مثل(19) هذا / إلَّا إذا أراد أن يُعَلِّمَ النَّاس كما رُوِيَ في الحديثِ؛ لأنَّ ذلك لو كان مُفسدًا للصَّلاة لم يَجُزْ أن يفعل مرَّةً فما دونها ولا لتعليمٍ ولا غيره، وإنَّما الاختيار أنْ لا يفعل، فإن فعل لم تفسد صلاته بدليل فعله صلعم مرَّةً، وأمَّا تحديد القامة وغيرها(20) فمحتاجٌ إلى توقيفٍ، ولا بأس أن يُصَلِّي المأموم على سطحٍ والإمام أسفل المسجد عند الكوفيين، وهو قول مالكٍ في غير الجمعة.
          وقال اللَّيْثُ: لا بأس أن يُصَلِّي الجمعة ركعتين على ظهر المسجد وفي الدُّور وعلى الدَّكاكين، وفي الطُرُق إذا اتَّصلت الصُّفُوف ورأى النَّاس بعضهم بعضًا حتَّى يُصَلُّوا(21) بصلاة الإمام، وعنِ الشَّافعيِّ مثله، وصَلَّى أبو هريرةَ الجمعة فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام(22)، وإنَّما ذكر حديث المَشْرَبَةِ في هذا الباب(23) وهي الغَرْفَةُ؛ لأنَّه صلعم صَلَّى بهم على ألواحها وخشبها، وترجم: بَابُ الصَّلاةِ على الخَشَبِ، واختلف في ذلك؛ فذكر ابنُ أبي شَيْبَةَ قالَ: كان حُذَيْفَةُ مريضًا، فكان يُصَلِّي قاعدًا فجُعِلَ له وِسَادَةٌ وجُعِلَ له لوحٌ عليها يسجد عليه، وكره قومٌ السُّجود على العود، رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ وابنِ مَسْعُودٍ(24)، قالَ عَلْقَمَةُ: دَخَلَ عبدُ اللهِ على أخيهِ عُتْبَةَ يَعُودُهُ فوَجَدَهُ يُصَلِّي على عودٍ فطَرَحَهُ، وقالَ: إنَّ هذا شيءٌ عَرَضَ به(25) الشَّيْطَانُ، ضَعْ وَجْهَكَ على الأرضِ، وإنْ لمْ تستطعْ فأومئْ إيماءً، وكرهه الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ, وأئمَّةُ الفتوى على جواز الصَّلاة عليه وحُجَّتهم صلاته ◙، على المَشْرَبَةِ وعلى المِنْبَرِ.


[1] في (م) ضبطها: ((والخُشُب)).
[2] قوله: ((قال أبو عبد الله)) ليس في (م).
[3] زاد في (م): ((السَّاعدي)).
[4] قوله: ((رأسه)) ليس في (م).
[5] في (م): ((وإنَّما)).
[6] قوله: ((لهذا)) ليس في (م).
[7] قوله: ((قال: فقلت: إنَّ سٌفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ كان يسأل عن هذا كثيرًا، فلم تسمعه منه؟ قال: لا)) ليس في (م).
[8] في (م): ((فرسه)).
[9] في (م): ((وسجد)).
[10] في (م): ((قال وفي الحديث فلمَّا)).
[11] قوله: ((أيها الناس)) ليس في (ص).
[12] قوله: ((بي)) ليس في (م).
[13] في (ص): ((أن يصلي)).
[14] زاد في (م): ((أن)).
[15] قوله: ((إذا كان)) ليس في (م).
[16] في المطبوع و(ص): ((وبعضهم فوقه وتحته ولم يجدوا))، وفي (م): ((وبعضهم تحته وفوقه ولم يجدوا)).
[17] في (م): ((والجبرتة)).
[18] في (م): ((ولا)).
[19] قوله: ((مثل)) ليس في (م).
[20] زاد في (م): ((في ذلك)).
[21] في (ص): ((يصلون)).
[22] قوله: ((وعنِ الشَّافعيِّ مثله، وصَلَّى أبو هريرةَ الجمعة فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام)) ليس في (ص).
[23] في (ص): ((وغنما ذكر حديثًا في هذا الباب)).
[24] في (م): ((ابن مسعودٍ وابن عُمَر)).
[25] في (م): ((فيه)).