شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد

          ░75▒ بَابُ: الأسِيرِ أَوِ الغَرِيمِ(1) يُرْبَطُ فِي المَسْجِدِ.
          وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الغَرِيْمَ أَنْ يُحْبَسَ إلى سَارِيَةِ المَسْجِدِ(2).
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ: (قَالَ النَّبيُّ(3) صلعم: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ _أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا(4)_ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاة، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إلى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، حتَّى تُصْبِحُوا، وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: /
{رَبِّ هَبْ لِي(5) مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص:35]) قَالَ رَوْحٌ(6): فَرَدَّهُ خَاسِئًا(7). [خ¦461]
          وفي هذا الحديث(8) إباحةُ رَبْطِ الأسير في المسجد(9)، قال المُهَلَّبُ: فيه رَبْطُ مَن خُشِيَ هروبُهُ لحقٍّ عليه أو دينٍ والتَّوثُّق منه في المسجد وغيرِهِ، ورؤيتُهُ صلعم للعفريتِ هو ممَّا(10) خُصَّ به كما خُصَّ برؤيةِ الملائكةِ، فقد أخبرَ أنَّ جِبْرِيْلَ له ستمائةِ جناحٍ، وأخبرنا اللهُ تعالى بذلكَ بقولِهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}[النجم:18]، وبقولِهِ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13]، وقدْ رآهُمْ يومَ انصرافِهِمْ عَنِ الخَنْدَقِ، ورأى الشَّيطانَ في هذه اللَّيلةِ وأقدرَ عليه لتجسُّمِهِ؛ لأنَّ الأجسام ممكن القدرة عليها، ولكنَّه(11) ألقى في رُوْعِهِ ما وَهَبَ سُلَيْمَانَ، فلم يُنفذ ما قَوِيَ(12) عليه مِن حبسِهِ رغبةً عمَّا أراد سُلَيْمَانُ الانفراد به، وحرصًا على إجابة الله تعالى دعوتَهُ، وأمَّا غير الرَّسول صلعم مِن النَّاسِ(13) فلا يمكَّنُ من هذا ولا يرى أَحَدٌ الشَّيطانَ على صورتِهِ غيرَ النَّبيِّ صلعم؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:27]، لكنَّه يراه سائر النَّاس إذا تشكَّل في غير شكلِهِ، وتصوَّر في غير صورتِهِ(14)، كما تشكَّلَ الَّذي طعنَهُ الأنصاريُّ حين وجدَه في بيتِهِ في صورةٍ حيَّةٍ، فقتلَهُ، فمات الرَّجُل به، وبيَّن النَّبيُّ صلعم ذلك بقولِهِ(15): ((إنَّ بالمدينةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا)). وقوله: (فَرَدَّهُ(16) خَاسِئًا)، يُقَالُ: خَسَأَ الكَلْبُ خُسُوءًا: تَبَاعَدَ، وخَسَأَتَهُ قلت له: اخْسَأ(17).


[1] في (ص): ((والغريم)).
[2] قوله: ((وكان شريح يأمر الغريم أن يُحبس إلى سارية المسجد)) ليس في (م).
[3] في حاشية (ص): ((في نسخة: أبو ذر)).
[4] قوله: ((أو كلمة نحوها)) ليس في (م).
[5] في المطبوع و(ص): ((ربِّ اغفر لي وهب لي)).
[6] قوله: ((قال رَوْحٌ)) ليس في (م).
[7] في (م): ((فردَّه الله خاسئًا)).
[8] في (م): ((قال ابن المنذر: في هذا الحديث)).
[9] زاد في (م): ((قال المؤلِّف)).
[10] في المطبوع: ((ما)).
[11] في (ص): ((ولكن)).
[12] في (ص): ((نوي)).
[13] في (م): ((وأمَّا غيره من النَّاس)).
[14] قوله: ((وتصوَّر في غير صورتِهِ)) ليس في (ص).
[15] في (م) و(ص): ((الرَّسول صلعم ذلك في قوله)).
[16] في (م): ((فردَّه الله)).
[17] زاد في (م): ((من كتاب الغنى)).