شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سترة الإمام سترة من خلفه

          ░90▒ بَابُ: سُتْرَة الإمَامِ / سُتْرَة لمَنْ(1) خَلْفَهُ.
          فيهِ: ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ: (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا على حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ، وَرَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي بِالنَّاس بِمِنًى إلى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ، وَأَرْسَلْتُ الأتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ). [خ¦493]
          وفيهِ: ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ رَسُولَ(2) اللهِ صلعم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيصلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثمَّ اتَّخَذَهَا(3) الأمَرَاءُ). [خ¦494]
          وفيهِ: أَبُو جُحَيْفَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ(4) صلعم صَلَّى بِهِمْ بِالبَطْحَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ(5)، تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأَةُ وَالحِمَارُ). [خ¦495]
          قال بعض العلماء(6): سُتْرَة الإمامِ سُتْرَة لمن خلفَهُ بإجماعٍ، قابلَهُ المأموم أمْ لا، فلا يضرُّ مَن مَشَى بين يدي الصُّفوف خلف الإمام، والسُّتْرَةُ عند العلماء سُنَّةٌ مندوبٌ إليها، ملومٌ تاركها. واختلف أصحاب مالكٍ فيمن صَلَّى إلى غير سُتْرَة في فضاءٍ يأمنُ(7) أن يمرَّ أحدٌ بين يديه، فقال ابنُ القَاسِمِ: يجوز له ذلك ولا حرج عليه، وقال ابنُ المَاجِشُونِ، ومُطَرِّفٌ: سُنَّة الصَّلاة أن يُصَلِّي إلى سُتْرَة لا بُدَّ منها، وحديث ابنُ عَبَّاسٍ يشهد لقول(8) ابن القَاسِمِ، ورُوِيَ عن جماعةٍ(9) مِن السَّلف منهم عَطَاءٌ وسالمٌ والقاسِمُ(10) وعُرْوَةُ والشَّعْبِيُّ والحَسَنُ أنَّهُم كانُوا يُصَلُّون في الفضاء إلى غير سُتْرَةٍ. وقال(11) ابنُ القَصَّارِ في قول ابنِ عَبَّاسٍ: (فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ(12) وَأَرْسَلْتُ الأتَانَ تَرْتَعُ)، حُجَّةٌ لمن قال: إنَّ الحمار لا يقطعُ الصَّلاةَ، ألا ترى قولَهُ: (فَلَمْ(13) يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ)، فدلَّ أنَّه المعروف عندهم، وقد زعم مَن قال: إنَّ الحمار يقطع الصَّلاة أنَّه لا حُجَّةٌ في هذا الحديث، وقال: إنَّ مرورَ الأتان كان خلف الإمام بين يدي بعض الصَّفِّ، والإمام سُتْرَةٌ(14) لمن خلفَهُ، وهذا غير صحيحٍ؛ لأنَّه قد رُوِيَ حديث ابنِ عَبَّاسٍ بلفظٍ هو حُجَّةٌ لأهل المقالة الأولى، ذكر البَزَّارُ قال(15): حَدَّثَنا بِشْرُ بنُ آدَمَ، قالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قالَ: حَدَّثَني(16) عبدُ الكريمِ الجَزَرِيُّ أنَّ مجاهدًا أخبَرَه عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: ((أَتَيْتُ أَنَا والفَضْلُ على أَتَانٍ، فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدِي رَسُولِ اللهِ صلعم بِعَرَفَةَ، وهُوَ يُصَلِّي المَكْتُوبَةَ، ليسَ بِشَيءٍ يَسْتُرُهُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ)). وروى شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ(17) عَنْ يحيى بنِ الجَزَّارِ عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَهُوَ يُصَلِّي، وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ، وَغُلَامٌ(18) مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَمْ يَنْصَرِفْ)). فبان أنَّ مرور ابنِ عَبَّاسٍ كان بين يدي النَّبيِّ صلعم. وفيه: إجازةُ(19) شهادةِ مَن عَلِم الشَّيء صغيرًا، وأَدَّاهُ كبيرًا، وهذا لا خلافٌ فيه بين العلماء، وفي حديث ابنِ عُمَرَ جواز الصَّلاة إلى الحَرْبَةِ. وفي حديث أبي جُحَيْفَةَ: أنَّ المرأةَ والحمارَ(20) لا يقطعان الصَّلاة. وفيه: أنَّ سُتْرَة الإمامِ سُتْرَة لمن خلفَهُ، وقال صاحب «الأفعال»: نَاهَزْتُ الاحتلامَ: قَرُبْتُ منه، ونَهَزْتُ الشَّيءَ: تَنَاوَلْتُهُ(21)، ونَهَزْتُ إليهِ: نَهَضْتُ.


[1] في المطبوع و(م): ((من)).
[2] في (ص): ((نبي)).
[3] زاد في (م): ((به)).
[4] في (ص): ((الرسول)).
[5] في (م): ((بالبطحاء الظُّهر والعصر وبين يديه عَنَزة)).
[6] قوله: ((بعض العلماء)) ليس في (م).
[7] زاد في المطبوع: ((من)).
[8] في (م): ((لصحَّة قول)).
[9] في (ص): ((وذكر جماعة)).
[10] قوله: ((والقاسم)) ليس في (ص).
[11] في (م): ((قال)).
[12] في (م): ((ونزلت)).
[13] في (م): ((ولم)).
[14] في (م): ((ستر)).
[15] قوله: ((قال)) ليس في (م) في الموضعين.
[16] في (م): ((أخبرني)).
[17] في (ص): ((الحسن)).
[18] في (م): ((ومعي غلامٌ)).
[19] قوله: ((إجازة)) ليس في (ص).
[20] في (ص): ((الحمار والمرأة)).
[21] في (م): ((ناولته)).