شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشعر في المسجد

          ░68▒ بَابُ: إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي المَسْجِدِ.
          فيهِ: أَبُو سَلَمَةَ: (أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ). [خ¦453]
          قالَ المُؤَلِّفُ: ليس في حديث هذا الباب بيان أنَّ حَسَّانَ أنشدَ شِعْرًا في المسجد بحضرة(1) النَّبيِّ صلعم، وقد ذكر البخاريُّ في(2) هذا الحديث في كتاب بدء الخلق [خ¦3212]، وبه يتمُّ معنى هذا الباب، قال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: ((مَرَّ عُمَرُ في المَسْجِدِ وحَسَّانُ يُنْشِدُ، فقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيْهِ، وفِيْهِ مَنْ هُوَ خيرٌ مِنْكَ، ثُمَّ التَفَتَ إلى أبي هُرَيْرَةَ فقَالَ: أُنْشِدُكَ باللهِ أسَمِعْتَ النَّبيَّ صلعم يقولُ: أَجِبْ عَنِّي؛ اللَّهُمَّ أيِّدْهُ برُوْحِ القُدُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ))، يدلُّ(3) هذا أنَّ قول النَّبيِّ صلعم لحَسَّانَ: ((أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ)) كان في المسجد، وأنَّه أَنْشَدَ(4) فيه ما جاوب به المشركين. واختلف العلماء في إنشاد الشِّعْرِ في المسجد، فأجازَتْهُ طائفةٌ إذا كان الشِّعْرُ(5) ممَّا لا بأس بروايتِهِ، قال ابنُ حَبِيْبٍ: رَأَيْتُ / ابنَ المَاجِشُونِ ومُحَمَّدَ بنَ سَلَامٍ يُنشدان فيه الشِّعْرَ ويذكران أيَّام العرب وقد كان اليربوعُ والضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ يُنشدان مالكًا ويحدِّثانِهِ بأخبار العرب، فيُصغي إليهما، وخالفهم في ذلك آخرون، فكرهوا إنشاد الشِّعْرِ في المسجد، واحتجُّوا بما رواه اللَّيثُ عَنِ ابن عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيهِ عن جَدِّهِ: ((أنَّ النَّبيَّ(6) صلعم كَرِهَ أَنْ يُنْشَدَ الشِّعْرُ(7) في المَسْجِدِ، وأَنْ تُبَاعَ فِيْهِ السِّلَعُ، وأَنْ يُتَحَلَّقَ فِيْهِ قبلَ الصَّلَاةِ)). قالَ الطَّحَاوِيُّ: وحُجَّة أهل المقالة الأولى ما ذكرَه البخاريُّ في بدء الخلق [خ¦3212] أنَّ عُمَرَ مَرَّ في المسجدِ وحَسَّانُ يُنْشِدُ فيه(8)، فزَجَرَه، فقالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فيهِ، وفيهِ مَنْ هُوَ خيرٌ مِنْكَ، وكانَ ذلكَ بحضرةِ أصحابِ النَّبيِّ صلعم، فلم يُنْكِرْهُ أَحَدٌ منهُمْ ولا أَنْكَرَهُ(9) عُمَرُ أيضًا، فكأنَّ الشِّعْرَ الَّذي نُهِيَ عَنْ إنشادِهِ في المسجد: الشِّعْرُ الَّذي فيه الخَنَا والزُّور، ويجوز أن يكون الشِّعر الَّذي يغلبُ على المسجد حتَّى يكون كلُّ مَنْ في المسجد مُتشاغلًا بِهِ، كما تأوَّلَ أَبُو عُبَيْدٍ في قولِهِ ◙: ((لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حتَّى يَرِيَهُ، خيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا))، أنَّه الَّذي يغلب على صاحبِهِ.


[1] في (م): ((بحضر)).
[2] قوله: ((في)) ليس في (م) والمطبوع.
[3] في (م): ((فدل)).
[4] في (م): ((أنشده)).
[5] قوله: ((فيه ما جاوب به المشركين. واختلف العلماء في إنشاد الشِّعر في المسجد، فأجازتْه طائفة إذا كان الشِّعر)) ليس في (م).
[6] في (ص): ((الرسول)).
[7] في (م): ((الأشعار)).
[8] قوله: ((فيه)) ليس في (م).
[9] في (م): ((أنكر)).