شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب فيه

          ░43▒ بَابُ: مَنْ دُعِيَ لِطَعَامٍ فِي المَسْجِدِ وَمَنْ أَجَابَ منه.
          فيهِ: أَنَسٌ: وَجَدْتُ النَّبِيَّ صلعم فِي المَسْجِدِ مَعَهُ(1) نَاسٌ، فَقُمْتُ، فقَالَ(2) لي: (آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ(3): لِطَعَامٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ(4): قُومُوا، فَانْطَلَقَوا وَانْطَلَقْتُ(5) بَيْنَ أَيْدِيهِمْ). [خ¦422]
          فيهِ: الدُّعاءُ إلى الطَّعامِ وإنْ لمْ يَكُنْ طعامَ وليمةٍ.
          وفيهِ: أنَّ الدُّعاء إلى ذلك مِن المسجد وغيره سواءٌ لأنَّ ذلك مِن أعمال البِرِّ(6)، وليس ثواب الجلوس في المسجد بأقلِّ ثوابًا مِن إطعام النَّاس الطَّعام، وقد قال رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقَرَأُ السَّلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ))، وأيضًا فإنَّ النَّبيَّ صلعم كان محتاجًا إلى الأكل، فقد جاء في هذا الحديث أنَّه إنَّما دعاه إليه؛ لأنَّه سمع صوتًا ضَعيفًا فعَرَف فيه الجوع، وفيه: دعاء السُّلطان إلى الطَّعام القليل.
          وفيه: أنَّ الرَّجُل الكبير إذا دُعِي إلى طعامٍ وعَلِمَ أنَّ صاحبه لا يكره أن يجلب معه غيره، وأنَّ الطَّعام يكفيهم أنَّه لا بأس أن يحمل معه مَن حضره، وإنَّما حملهم النَّبيُّ صلعم إلى طعام أبي طَلْحَةَ وهو قليلٌ لعلمه أنَّه يكفي جميعهم، وأنَّه لا ينقص منه شيءٌ لبركته وما خَصَّه الله(7) به من كرامة النُّبُوَّةِ وفضيلتها، وهذا مِن علامات نُبُوَّتِهِ صلعم، وكذلك(8) إذا علِم الرَّئيس المدعو إلى طعامٍ(9) أنَّ صاحبه يُسَرُّ(10) بمَنْ يأكل طعامه، وأنَّ طعامه لا(11) يعجز عنهم لكثرته وجِدَة صاحبه أنَّه لا بأس أن يحمل غيره، وسأزيد في معنى هذا الحديث في كتاب الأطعمة إن شاء الله [خ¦5381].


[1] في (م): ((ومعه)).
[2] في المطبوع و(ص): ((قال)).
[3] في المطبوع: ((فقال)).
[4] في (م): ((معه)).
[5] في (م): ((قوموا، فانطلق وانطلقت)).
[6] قوله: ((لأنَّ ذلك من أعمال البرِّ)) ليس في (م).
[7] زاد في (م): ((╡)).
[8] في (ص): ((كذلك)).
[9] في (م): ((الطَّعام)).
[10] في (ص): ((ليس)).
[11] في (م): ((بمن يأكل معهم، وأنَّ طعامهم لا)).