شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب السجود على الثوب في شدة الحر

          ░23▒ بَابُ: السُّجُودِ على الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ.
          وَقَالَ الحَسَنُ: كَانَ القَوْمُ يَسْجُدُونَ على العِمَامَةِ وَالقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ.
          فيهِ: أَنَسٌ: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ). [خ¦385]
          واختلف العلماء في السُّجُود على الثَّوب مِن شدَّة الحرِّ والبرد، فرخصَّ في ذلك عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعَطَاٌء وطَاوُس والنَّخَعِيُّ والشَّعْبِيُّ والحَسَنُ وهو قول مالكٍ والأوزاعيِّ(1) والكوفيين وأحمدَ وإِسْحَاقَ، واحتجُّوا بهذا الحديث، وقال الشَّافعيُّ: لا يُجزئه السُّجُود على الجبهة ودونها ثوبٌ إلَّا أن يكون جريحًا، ورخَّص في وضع اليدين على الثَّوب / مِن شدَّة الحرِّ والبرد.
          واختلفوا في السُّجُود على كَوْرِ العِمَامَةِ، فرخَّص فيه(2) ابنُ أبي أَوْفَى والحَسَنُ ومَكْحُولٌ وسَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ والزُّهْرِيُّ، وهو قول أبي حنيفةَ والأوزاعيِّ، وقال مالكٌ: أكرهه ويجوز، وقال ابنُ حَبِيْبٍ: هذا فيما خفَّ مِن طاقاتها، فأمَّا ما كثُر فهو كمن لم يسجد، وكره عليٌّ وابنُ عُمَرَ وعُبَادَةُ السُّجُودَ عليها، وعنِ النَّخَعِيِّ وابنِ سِيرِينَ(3) وغيرِهِ(4) مثله، وقالَ الشَّافعيُّ: لا يجزئ السُّجُود عليها، وقالَ أحمدُ: لا يعجبني إلَّا في الحرِّ والبرد، واحتجَّ أصحابُ الشَّافعيِّ: بأنَّه لما لم يقم المسح على العِمَامَةِ مقام مسح الرأس وجب أن يكون السُّجُود كذلك(5).
          قال ابنُ القَصَّارِ: والجواب أنَّ الفرضَ(6) في السُّجُود: التَّذلُّل والخُشُوع يكون(7) العضو على الأرض وهو يحصل بحائلٍ وغيرِ(8) حائلٍ، على أنَّ اعتبارهم يفسده الرِّجْلَين(9)؛ لأنَّه(10) يسجد عليهما في اللُّفَافَةِ(11) والمسح عليهما لا يجوز(12)، وقد أجمعوا أنَّه يجوز السُّجُود على الرُّكْبَتَينِ، والقَدَمَانِ(13) مستورةٌ بالثِّياب، وهي بعض الأعضاء الَّتي أُمِرَ المُصَلِّي بالسُّجُود عليها، فكذلك سائر أعضاء السُّجُود إلَّا ما أجمعوا عليه مِن كشف الوجه، فإن قالوا: لو جوَّزنا السُّجُود على كَوْرِ العِمَامَةِ على حصيرٍ لجوَّزنا الجمع بين بدلين أحدهما الحصير الَّذي هو بدل الأرض والآخر العِمَامَة الَّتي هي بدل الجبهة ولا يصحُّ الجمع بين بدلين في موضعٍ، ألا ترى أنَّ التَّيمُّم بدل الماء ومسح الخُفَّين بدل الرِّجْلَين، ولا يجوز الجمع بينهما، قيل: هذا(14) ساقطٌ لأنَّنا(15) لا نقول: إنَّ الحصيرَ بدلٌ مِن الأرض ولا(16) العِمَامَةَ بدلٌ من الجبهةِ، بل هو مخيَّرٌ إن شاء باشر بجبهته الأرض، وإن شاء بحائلٍ على جبهته وعلى الأرض، والمسح على الخُفَّين هو مخيَّرٌ فيه أيضًا إن شاء مسح، وإن شاء غسل كالسُّجُود، وليس التَّيمُّم كذلك وليس بدلًا، وكلُّ حائلٍ جاز السُّجُود عليه منفصلًا جاز متصلًا، دليله(17): الرُّكْبَتان والقَدَمَان.
          وأجمع الفقهاء أنَّه يجوز السُّجُود على اليدين في الثِّياب، وإنَّما كره ذلك ابنُ عُمَرَ وسَالِمٌ وبعضُ التَّابعين، وسيأتي بعض هذا المعنى في باب: لا يَكُفُّ(18) شَعْرًا ولا ثوبًا في الصَّلاةِ بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦815] [خ¦816].


[1] قوله: ((والأوزاعي)) ليس في (م).
[2] في (م): ((فيها)).
[3] في (م): ((وعن ابن سِيرِينَ والنَّخعيِّ)).
[4] في المطبوع و(م) و(ص): ((وعبيدة)).
[5] في (م): ((أن يكون كذلك السُّجُود)).
[6] في (م): ((الغرض)).
[7] في المطبوع و(ص): ((فيكون))، وفي (م): ((بكون)).
[8] في المطبوع و(ص): ((وبغير)).
[9] في (م): ((يفسد بالرِّجْلَين)).
[10] في (م): ((لا)).
[11] في (ص): ((إيقافه)).
[12] في (م): ((يجزئ)).
[13] في (م): ((والقدمين)).
[14] في (ص): ((ذلك)).
[15] في (م): ((لأنَّا)).
[16] في المطبوع و(ص): ((وإن)).
[17] قوله: ((دليله)) ليس في (ص).
[18] صورتها في (م): ((يكسف)).