شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به

          ░4▒ بَابُ: الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ(1) مُلْتَحِفًا بِهِ.
          قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: المُلْتَحِفُ المُتَوَشِّحُ، وَهُوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ على عَاتِقَيْهِ، وَهُوَ / الاشْتِمَالُ على مَنْكِبَيْهِ، وقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: (الْتَحَفَ النَّبيُّ(2) صلعم بِثَوْبٍ(3) وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ على عَاتِقَيْهِ).
          فيهِ: عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةَ: (أنَّ النَّبيَّ(4) صلعم صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ(5) خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ). [خ¦354]
          وقالَ مَرَّةً: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا(6) فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ على عَاتِقَيْهِ). [خ¦355]
          وفيهِ: أُمُّ هَانئٍ: (أنَّها رَأَتْ رَسُولَ اللهِ صلعم عَامَ الفَتْحِ يُصَلِّي مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ). [خ¦357]
          وفيهِ: أبو هُرَيْرَةَ (أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبيَّ(7) صلعم عَنِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ(8)، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: أَوَلِكُلِّكُمْ(9) ثَوْبَانِ؟). [خ¦358]
          قال المؤلِّفُ(10): التَّوشُّحُ هو نوعٌ من الاشتمال تجوز الصَّلاة به؛ لأنَّ فيه مخالفة(11) طرفي(12) الثَّوب على عاتقه كما قال النَّبيُّ صلعم: ((مَنْ صَلَّى في ثَوْبٍ واحَدٍ فليُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفِيْهِ))، واشتمال الصَّماء المنهي عنه بخلاف ذلك. وقال(13) ابنُ السِّكِّيْتِ: التَّوشيح(14) هو أن يأخذ طرف الثَّوب الَّذي ألقاه على منكبه الأيمن مِن تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفه الَّذي ألقاه على عاتقه الأيسر مِن تحت يده اليمنى، ثمَّ يعقد طرفهما على صدره، ومعنى مخالفته بين طرفيه لئلَّا ينظر المصلِّي مِن عورة نفسه إذا ركع، وقد تقدَّم في الباب قبل هذا أنَّ الفقهاء مجمعون على جواز الصَّلاة في ثوبٍ واحدٍ [خ¦352] [خ¦353]، وقد رُوِيَ عن ابن مَسْعُودٍ خلاف ذلك، كما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ. ذكر(15) عبدُ الرَّزَّاقِ عن ابنِ عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عنِ الحَسَنِ قال: اختلف أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ وابنُ مَسْعُودٍ في الصَّلاةِ في الثَّوب الواحد، فقال أُبيٌّ: لا بأس به، وقد(16) صلَّى فيه النَّبيُّ صلعم، فالصَّلاة فيه اليوم جائزةٌ، وقال ابنُ مَسْعُودٍ: إنَّما كان ذلك إذ كان النَّاس لا يجدون ثيابًا، فأمَّا إذا وجدوها فالصَّلاة في ثوبين، فقام عُمَرُ على المنبر فقال: الصَّواب(17) ما قال أُبيٌّ، ولم يَأْلُ ابنُ مَسْعُودٍ.
          قال الطَّحَاوِيُّ: وقد تواترت الأخبار عن النَّبيِّ صلعم بالصَّلاة(18) في الثَّوب الواحد متوشحًا به في حال وجود غيره، وذلك أنَّ السَّائل سأل النَّبيَّ صلعم في حديث أبي هريرةَ: أيصلِّي أحدنا في ثوبٍ واحدٍ؟ فأجابه ◙ جوابًا مطلقًا، فقال: ((أوكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ))، أي: لو كانت الصَّلاة مكروهةٌ في الثَّوب الواحد(19) لكُرِهَتْ لمن(20) لا يجد إلَّا ثوبًا واحدًا، ودلَّ جوابه ذلك أنَّ حُكْمَ الصَّلاة في الثَّوب الواحد لمن يجد الثَّوبين كهو في الصَّلاة في الثَّوب الواحد لمن لا يجد غيره. قال غيره: وفُهِمَ مِن قوله صلعم: (أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَان(21)) أنَّ من صلَّى في أكثر مِن ثوبٍ واحدٍ(22) فقد أحسن، ألا ترى قول عُمَرَ ☺(23): الصَّواب ما قال أُبَيُّ، ولم يَألُ ابنُ مَسْعُودٍ، أي: لم يُقَصِّر في الاجتهاد، وإن كان قد حكم لأُبَيٍّ بالصَّواب، فهذا مِن قول عُمَرَ يوافق ما رُوِيَ عنِ النَّبيِّ صلعم مِن إجازته الصَّلاة في ثوبٍ واحدٍ لمن وجد غيره، وهو(24) أولى أن يُؤخَذَ به مما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ وغيره مما يخالف ذلك.


[1] في (م): ((ثوبٍ واحدٍ)).
[2] في (ص): ((رسول الله)).
[3] في (م): ((في ثوبٍ واحدٍ)).
[4] في (ص): ((نبي الله)).
[5] في (م): ((و)).
[6] زاد في (م): ((به)).
[7] في (ص): ((الرسول)).
[8] في (م): ((الثَّوب الواحد)).
[9] في (م) و(ص): ((قال أولكلُّكم)).
[10] قوله ((قال المؤلِّف)) ليس في (م).
[11] في المطبوع: ((لطرفي)). في (ص): ((بطرفي)).
[12] صورتها في (ز): ((مخالف)).
[13] في (م): ((قال)).
[14] في (ص): ((التوشح)).
[15] في (م): ((روى)).
[16] في (م): ((قد)).
[17] في (م): ((القول)).
[18] قوله: ((بالصلاة)) ليس في (ص).
[19] في (م): ((في الثَّوب الواحد مكروهة)).
[20] زاد في (م): ((كان)).
[21] في (م): ((أوكلكم يجد ثوبين)).
[22] قوله: ((واحد)) ليس في (م).
[23] في (م): ((قول عمر بن الخطَّاب)).
[24] في (م): ((وهذا)).