شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة على الفراش

          ░22▒ بَابُ: الصَّلاةِ على الفِرَاشِ.
          وَصَلَّى أَنَسٌ على فِرَاشِهِ(1)، وَقَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَيَسْجُدُ(2) أَحَدُنَا على ثَوْبِهِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ أنَّها قالَتْ: (كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلعم وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا(3) قَامَ بَسَطْتُهُمَا(4)، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ). [خ¦382]
          وقَالَتْ مَرَّةً: (إنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يُصَلِّي _وَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ_ على فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الجَنَازَةِ) [خ¦383].
          وقَالَ عُرْوَةُ: (إنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يُصَلِّي، وَعَائِشَةُ _مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ_ على الفِرَاشِ الَّذي يَنَامَانِ عَلَيْهِ). [خ¦384]
          قالَ المُؤَلِّفُ(5): الصَّلاة جائزةٌ على كلِّ شيءٍ طاهرٍ فِرَاشًا كان أو غيره، وقد اختلف العلماء في اختيارهم بعض ما يُصَلِّي عليه دون غيره، فرُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ☺، أنَّه صَلَّى على عبقريٍّ وهي الطِّنْفِسَةُ، وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ مَسْعُودٍ وأَنَسٍ أنَّهم صَلَّوا على المسوحِ، وصَلَّى ابنُ عَبَّاسٍ وجابرُ بنُ عبدِ اللهِ وأبو الدَّرْدَاءِ والنَّخَعِيُّ والحَسَنُ على طِنْفِسَةٍ.
          وصَلَّى قيسُ بنُ عُبَادَةَ(6) على لِبْدِ دابةٍ، وقال الثَّوْرِيُّ: يُصَلَّى على البِسَاطِ والطُّنْفُسَةِ واللِّبْدِ، وهو قول أبي حنيفةَ والشَّافعيِّ، ورُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ أنَّه لا يسجد إلَّا على الأرض، وعن عُرْوَةَ مثله، وكرهت(7) طائفةٌ الصَّلاة إلَّا على الأرض أو نباتها، رُوِيَ ذلك عن جابرِ بنِ زيدٍ وقالَ(8): أكره الصَّلاة على كلِّ(9) شيءٍ مِن الحيوان، وأستحبُّ الصَّلاة على كلِّ شيءٍ مِن نباتِ الأرضِ، وهو قول مجاهدٍ، وقالَ قَتَادَةُ: قالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: الصَّلاة على الطِّنْفِسَةِ محدثٌ، وقاله ابن سِيرِينَ أيضًا، وقال مالكٌ في بساط الصُّوف والشَّعر: إذا وضَع المُصَلِّي جبهته ويديه على الأرض فلا أرى بالقيام عليها بأسًا، وعن عَطَاءٍ مثله، وقال مُغِيْرَةُ: قلت(10) لإِبْرَاهِيْمَ حين ذكر كراهية الصَّلاة على الطِّنْفِسَةِ: إنَّ أبا وائلٍ يُصَلِّي عليها، قال: أمَا إنَّه خيرٌ منِّي.
          وفيه مِن الفقه: أنَّ المرأة لا تبطل صلاة مَن صَلَّى إليها ولا مَن مرَّت بين يديه، وهو قول جمهور الفقهاء ومعلومٌ أنَّ اعتراضها بين يديه أشدُّ مِن مرورها.
          وقولها: (وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) فيه دليلٌ على أنَّ الملامسة باليد لا تنقض الطَّهارة؛ لأنَّ الأصل في الرِّجْل أنَّ تكون بلا حائلٍ، وكذلك اليد حتَّى يثبت الحائل، وزعم الشَّافعيُّ أنَّ غمز رَسُول اللهِ صلعم لها كان على ثوبٍ وهو بعيدٌ؛ لأنَّه يقول: إنَّ الملامسةَ تنقض الوضوء وإن لم تكن معها لذَّةً إذا أفضى بيده إلى جسم امرأته، وقد تقدَّم اختلافهم في الملامسة فأغنى عن إعادته [خ¦345] [خ¦346].
          وقولُ عَائِشَةَ: (وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ)، يدلُّ أنَّه إذْ حدَّثت بهذا الحديث كانت المصابيح في بيوتهم؛ لأنَّ الله ╡ فتح عليهم الدُّنيا بعده صلعم فوسَّعوا على أنفسهم حين وسَّع الله عليهم.


[1] في (م): ((فراش)).
[2] في (م): ((يسجد)).
[3] في (م) و(ص): ((وإذا)).
[4] في (م): ((بسطتها)).
[5] في (م): ((فيه أنَّ)).
[6] في (م): ((عبَّاد)).
[7] في (ص): ((فكرهت)).
[8] في (م): ((قال)).
[9] قوله: ((كلِّ)) ليس في (م).
[10] في (م): ((قيل)).