شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة إلى العنزة

          ░93▒ بَابُ: الصَّلاةِ(1) إلى العَنَزَةِ.
          فيهِ: أَبُو جُحَيْفَةَ: (أنَّ نَبِيَّ اللهِ(2) صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ)، الحديثَ. [خ¦499]
          وفيهِ: أَنَسٌ: (أنَّ النَّبيَّ(3) صلعم كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلامٌ، مَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، نَاوَلْنَاهُ الإدَاوَةَ). [خ¦500]
          قال المُهَلَّبُ: الحَرْبَةُ والعَنَزَةُ، إنَّما هما عَلَمٌ للنَّاسِ على موضع صلاتِهِ ألَّا يحرِّفوه بالمشي بين يديه في صلاتِهِ، ومعنى حمل العَنَزَةَ والماءَ أنَّ النَّبيَّ صلعم كان(4) التزم أنْ لا يكون إلِّا على طهارةٍ في أكثر أحوالِهِ(5)، وكان إذا توضَّأ صَلَّى ما أمكنَهُ بذلك الوضوء مُذْ أخبَرَه بلالٌ إنَّما(6) أوجب الله له الجنَّة مِن أنَّه لم يتوضَّأ قطُّ إلَّا صَلَّى، فلذلك كان يحملُ الماءَ والعَنَزَةَ إلى موضعِ الخلاءِ والتَّبرُّزِ، وقال أبو عبدِ اللهِ بن أبي صُفْرَةَ: انظر مناولتهم الإداوة، يدلُّ أنَّه استنجى بالماء لأنَّ العادة في الوضوء أن يَصُبُّوا على(7) يديه، وكذلك تأتي الأحاديث. قال المُهَلَّبُ: وفي حديث أَنَسٍ خدمةُ السُّلطان والعالِمِ، قال غيرُهُ: وهذا(8) مذاهب(9) الفقهاء متقاربةٌ في أقلِّ ما يُجزئ المُصَلِّي مِن(10) السُّتْرَةِ، فقال مالكٌ: يجزئُهُ غلظ(11) الرُّمْحِ والعصا وارتفاع ذلك قدر عظم الذِّراع(12)، ولا تفسد صلاةُ مَن صَلَّى إلى غير سُتْرَةٍ، وإن كان مكروهًا له(13)، وهو قول الشَّافعيِّ، وقالَ الثَّوْرِيُّ وأبو حنيفةَ: أقلُّ السُّتْرَةِ قدر مؤخِّرة الرَّحْلِ يكون ارتفاعها ذراعًا، وهو قول عطاءٍ، وقال الأوزاعيُّ مثلَه، إلَّا أنَّه لم يَحُدَّ ذراعًا ولا غيرَه(14)، وكلُّ(15) هؤلاء لا يُجيزون الخَطَّ، ولا أن تُعرض العصا في الأرض يُصَلَّى(16) إليها غير الأوزاعيِّ والشافعيِّ في أحدِ قوليه(17)، فإنِّهما قالا: إذا لم يجد شيئًا يقيمُهُ بين يديه عَرَضَه وصَلَّى إليه(18)، وإن لم يجدْ(19) خَطَّ خَطًّا، ورُوِيَ مثلُه(20) عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وبه قال أحمدُ وأبو ثَوْرٌ واحتجُّوا بحديث إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ عن أبي عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، ((عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: إذا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصُبْ عَصَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخْطُطْ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ)). وقالَ الطَّحَاوِيُّ: أبو عَمْرٍو وعَمُّه مجهولان، وقال مالكٌ واللَّيْثُ: الخَطُّ باطلٌ وليس بشيءٍ، وأصحُّ مَا في سُتْرَة المُصَلِّي عَنِ النَّبيِّ صلعم حديث ابنِ عُمَرَ، وحديث أبي جُحَيْفَةَ، وحديث أَنَسِ(21) بنِ مالكٍ. والله الموفق(22).


[1] قوله: ((الصَّلاة)) ليس في (م).
[2] في (م): ((النَّبي صلعم)).
[3] في (ص): ((الرسول)).
[4] زاد في (م): ((قد)).
[5] في (م): ((أوقاته)).
[6] في المطبوع و(م) و(ص): ((بما)).
[7] في (م): ((فوق)).
[8] في المطبوع: ((وهكذا)).
[9] في (م): ((غيره ومذاهب)). في (ص): ((مذهب)).
[10] في (م): ((في)).
[11] زاد في (م): ((السُّوط)).
[12] في (م): ((ذراع)).
[13] قوله: ((وهو)) ليس في (ص).
[14] قوله: ((وقال الأوزاعيُّ مثلَه، إلَّا أنَّه لم يَحُدَّ ذراعًا ولا غيرَه)) ليس في (م).
[15] في (م): ((وكان)).
[16] في المطبوع و(م): ((فيصلِّي)). في(ص): ((فتصلي)).
[17] في (م): ((الأوزاعي وأحد قولي الشَّافعيِّ)).
[18] في (م): ((عليه)).
[19] زاد في (م): ((شيئًا)).
[20] قوله: ((مثله)) ليس في (م).
[21] في (م): ((حديث ابن عُمَرَ وأبي جحيفة وأنس)).
[22] قوله: ((ابن مالك والله مالك)) ليس في (م).