شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل استقبال القبلة

          ░28▒(1) فَضْلُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ.
          فيهِ: أَنَسٌ: قَالَ النَّبيُّ(2) صلعم: (مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ). [خ¦391]
          وقَالَ ◙: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ). [خ¦392]
          هذا يدلُّ على تَعظيم شأنِ القِبْلَة وهي مِن فرائض الصَّلاة، والصَّلاة أعظم / قُرُبَاتِ الدِّيْنِ، ومَنْ تَرَكَ القِبْلَةَ مُتَعَمِّدًا فَلا صَلاةَ لَهُ، ومَنْ لا صَلاةَ لَهُ فلا دِيْنَ لَهُ.
          وقالَ(3) الطَّبَرِيُّ: فإنْ(4) قال قائلٌ: ما وجه هذا الحديث وقد عَلِمْتَ أنَّ أجناسًا مِن أهلِ الكُفْرِ أُمِرْنَا بقتالهم وهم يشهدون أنْ لا إله إلَّا الله، قيل: قد جاء في بعض طرق هذا الحديث: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ))، وحديث هذا الباب إنَّما قاله ◙، في حال قتاله لأهل الأوثان الَّذين كانوا لا يُقِرُّون بتوحيد الله، وكانوا إذا قيل لهم: لا إله إلَّا الله يستكبرون، فدعاهم النَّبيُّ صلعم(5) إلى الإقرار بالوحدانيَّة وخلعِ ما دونه مِن الأوثان، فمن أقرَّ بذلك منهم كان في الظَّاهر داخلًا في صبغة الإسلام، وقاتل آخرين مِن أهل الكفر كانوا يوحِّدون الله تعالى غير أنَّهم كانوا يُنكرون نُبُوَّة مُحَمَّدٍ صلعم فقال ◙: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ))، وذلكَ أنَّ كفرهم كان جحدًا(6) بالنُّبُوَّة فمن أقرَّ بما عليه قُوْتِلَ(7)، فقد حَرُمَ دمه وماله إلَّا بظهور نقض شرائط ما أقرَّ به بعد الإقرار بجملته، وذلك هو الحقُّ الَّذي قال ◙: (إِلَّا بِحَقِّهَ(8))، ولو(9) أنَّ أهل الأوثان وَحَّدَ بعضهم وشهد أن لا إله إلَّا الله وحُكم له بحكم الإسلام في منع نفسه وماله، ثمَّ عُرضت عليه شرائع الإسلام بعد ذلك فامتنع مِن الإقرار برَسُولِ اللهِ صلعم كان لا شكَّ بالله كافرًا وعاد حربيًا، وكذلك الَّذي أقرَّ بنُبُوَّة مُحَمَّدٍ صلعم لو أنكر شيئًا مِن الفرائض حَلَّ دمُه وعاد حربيًا كافرًا.


[1] زاد في (م) و(ص): ((باب)).
[2] في (ص): ((نبي الله)).
[3] في المطبوع و(ص): ((قال)).
[4] في (م): ((إن)).
[5] قوله: ((النبي صلعم)) ليس في (ص).
[6] في (م): ((جحدهم)).
[7] في (م) وحاشية (ص): ((قاتل)).
[8] في (ص): ((بحقها)).
[9] في (م): ((فلو)).