شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد

          ░70▒ بَابُ: ذِكْرِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ(1) على المِنْبَرِ فِي المَسْجِدِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ: (أَنَّ بَرِيرَةَ أَتَتْهَا تَسْأَلُهَا كِتَابَتِهَا، فقام رَسُولُ اللهِ صلعم على المِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَت فِي كِتَابِ اللهِ تعالى(2)). وذكر الحديث. [خ¦456]
          قالَ المُؤَلِّفُ: المساجد إنَّما اتُّخذت لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن والصَّلاة، وإنَّما يجوز فيها مِن البيع والشِّراء وسائر أمور الدُّنيا ما يكون بمعنى تعليم النَّاس والتَّنبيه لهم على الاحتراس مِن مواقعة الحرام ومخالفة السُّنن، والموعظة(3) في ذلك، وقد رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ صلعم أنَّه نَهَى عن البيع والشِّراء في المسجد، وهو قول مالكٍ وجماعةٍ مِن العلماء، وروى(4) الدَّرَاوَرْدِيُّ عن يَزِيْدَ بنِ خَصِيْفَةَ(5) عن مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ ثَوْبَانَ عن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَبِيْعُ وَيَشْتَرِي في المَسْجِدِ، فَقَولُوا: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يُنْشِدُ فِيْهِ الضَّالَةُ، فَقُولُوا: لَا رَدَّ(6) اللهُ عَلِيْكَ))، وذكر مالكٌ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ أنَّه كان(7) يقول لمن أراد أن يبيع في المسجد: عليك بسوق الدُّنيا، فإنَّما(8) هذا سوق الآخرة.
          قالَ الطَّحَاوِيُّ: ومعنى البيع الَّذي نُهِيَ عنه في المسجد الَّذي يغلب على المسجد ويعمُّه، حتَّى يكون كالسُّوق، فذلك مكروهٌ، وأمَّا(9) ما سوى ذلك فلا بأس به، وكذلك التَّحلُّق الَّذي نُهِيَ عنه قبل الصَّلاة إذا عمَّ المسجد وغلبَهُ، فهو مكروهٌ، وغير ذلك لا بأس به، وقد أجمع العلماء أنَّ ما عُقِدَ مِن البيع في المسجد أنَّه(10) لا يجوز نقضُهُ(11)، إلَّا أنَّ المسجد ينبغي أن يُجنَّبَ(12) جميع أمور الدُّنيا، ولذلك بنى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ☺ البَطْحَاءَ(13) خارج المسجد، وقال: مَن أراد أن يلغط، فليخرج إليها، فوجب تنزيه المسجد عمَّا لم يكن مِن أمور الله تعالى.


[1] في المطبوع و(ص): ((البيع والشِّراء)).
[2] قوله: ((ليست في كتاب الله تعالى)) ليس في (م).
[3] زاد في (م): ((لهم)).
[4] في (م): ((روى)).
[5] في (ص): ((الخصيفة)).
[6] في (م): ((لا ردَّها)).
[7] في (م): ((وذكر مالكٌ أنَّ عطاءَ بنَ يسارٍ كان)).
[8] في (م): ((وإنَّما)).
[9] في (م): ((وما)).
[10] قوله: ((أنه)) ليس في (ص).
[11] العبارة في (م): ((وما سوى ذلك فلا بأس به، قال غيره وقد أجمع العلماء أنَّ ما عقد في المسجد من البيع أنَّه لا يجوز نقضه)).
[12] زاد في (م): ((من)).
[13] في (م): ((البطيحاء)).