شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المساجد التي على طرق المدينة

          ░89▒ بَابُ: المَسَاجِدِ الَّتي عَلَى طُرُقِ المَدِينَةِ وَالمَوَاضِعِ الَّتي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ صلعم.
          وَكَاَنَ سَالِمٌ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، (وَأَنَّهُ رَأى النَّبيَّ صلعم(1) يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأمْكِنَةِ) في حديثٍ طويلٍ. [خ¦483]
          قالَ المؤلِّفُ(2): إنَّما كان يُصَلِّي ابن عُمَرَ في المواضع الَّتي صَلَّى فيها النَّبيُّ صلعم على وجه التَّبرُّك بتلك الأمكنة(3)، والرَّغبة في فضلها، ولم يزل النَّاس يتبرَّكون بمواضع الصَّالحين وأهل الفضل؛ ألا ترى أنَّ عِتْبَانَ بنَ مالكٍ سَأَلَ النَّبيَّ(4) صلعم أن يُصَلِّي في بيتِه ليتَّخِذَ المكانَ مُصَلَّى، فصَلَّى فيه النَّبيُّ صلعم.
          وقد جاء عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ☺ خلاف فِعْلِ ابنِهِ عبدِ اللهِ، روى شُعْبَةُ عن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ المَعْرُوْرِ بنِ سُوَيْدٍ قَالَ: ((كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ☺ في سَفَرٍ فصَلَّى الغَدَاةَ، ثُمَّ أَتَى عَلَى مَكَانٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ، ويَقُولُونَ(5): صَلَّى فيهِ النَّبيُّ صلعم، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّما هَلَكَ أَهْلُ الكِتَابِ أنَّهُمُ اتَّبَعُوا آثارَ أنبيائِهِمْ، فاتَّخَذُوهَا كَنَائِسَ وبِيَعًا، فمَنْ عَرَضَتْ لَهُ الصَّلاةُ، فليُصَلِّ وإلَّا فَلْيَمْضِ)).
          إنَّما(6) خشي عُمَرُ ☺ أن يلتزمَ النَّاسُ الصَّلاةَ في تلك المواضع حتَّى يشكل ذلك على من يأتي بعدهم، ويرى ذلك واجبًا، وكذلك ينبغي للعالِمِ إذا رأى النَّاسَ يلتزمون النَّوافل والرَّغائب التزامًا شديدًا، أن يترخَّصَ(7) فيها في بعض المرَّات ويتركها ليُعْلَمَ بفعلِهِ ذلك أنَّها غير واجبةٍ، كما فَعَلَ(8) ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُهُ في تركِ الأضحيةِ، وقد روى أَشْهَبُ عن مالكٍ أنَّه سُئِلَ عنِ الصَّلاةِ في المواضع الَّتي صَلَّى فيها النَّبيُّ صلعم، فقال: ما يُعجبني ذلك إلَّا مسجدَ قُبَاءٍ. قالَ المُؤَلِّفُ: وإنَّما قال ذلك مالكٌ لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان يأتي قُبَاءَ راكبًا وماشيًا(9) ولم يكن يفعل ذلك في تلك الأمكنة(10)، والله أعلم. وفي هذا الحديث(11) ألفاظٌ كثيرةٌ من الغريب.
          قولُه: (فَدَحَا فِيْه(12) السَّيْل) يُقَالُ: دَحَا، دَفَعَ، ودَحَا المطرُ الحَصَى عَنْ وَجْهِ الأرضِ، والدَّحْوُ: البَسْطُ أيضًا، والكَثِيْبُ: رَمْلٌ أو ترابٌ مجتمعٌ، والهَضَبْةُ: الصَّخْرَةُ الرَّاسِيَةُ الضَّخْمَة، والجمع هِضَابٌ، والرَّضْمُ: حجارةٌ مَرْصُوصَةٌ بعضها فوق بعضٍ، والواحدة رَضْمَةٌ، وبِرْذَوْنٌ مَرْضُومُ العَصَبِ: إذا صار(13) فيه كالعُقَدِ، مِن كتاب «العين»، والسَّلَمَةُ _بفتح اللَّام_ الشَّجرة(14)، والسَّلِمَةُ(15) _بكسر اللَّام_ الصَّخْرَةُ. والسَّرْحَةُ: الشَّجَرَةُ(16)، والجمع سَرْحٌ. وهَرْشَى: موضعٌ. وقال(17) ابن دُرَيْدٍ: الغَلْوَةُ: أن ترمي بسهمٍ(18) حيثما ما بلغ، وقد غَلَا وهو مِن الغُلُوِّ(19): الارتفاعُ في الشَّيءِ ومجاوزةُ الحدِّ فيهِ، وكلُّ مرتفعٍ فقد تَغَلَّى(20) والجمع غِلَاءٌ، والأَكْمَةُ: التَّلُّ، والجمع أَكَمٌ، وإِكَامٌ، وآكامٌ، وأُكمٌ، والفُرْضَةَ: مشربُ الماء من النَّهْرِ، والفَرْضُ: حَزٌّ في سِيَةِ القَوْسِ.


[1] قوله: ((وكان سَالِمَ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأى النَّبيَّ صلعم)) ليس في (م).
[2] قوله: ((المؤلِّف)) ليس في (م).
[3] في (م): ((المواضع)).
[4] في (ص): ((نبي الله)).
[5] في (م): ((فيقولون)).
[6] في (م): ((وإنَّما)).
[7] في (م): ((يرخص)).
[8] في (م): ((ليعلم بذلك من فعله أنَّها غير واجبة ولا مؤكدة كفعل)).
[9] في المطبوع و(ص): ((وراجلًا))، في (م): ((وماشيًا ويواظب على الصَّلاة فيه)).
[10] في (م): ((المواضع)).
[11] في (م): ((وفي حديث هذا الباب)).
[12] في (ص): ((به)). في حاشية (م) ما صورته: ((فيه)).
[13] في (م): ((كان)).
[14] في (م): ((والسَّلمة: الشَّجرة بفتح اللام)).
[15] في (ص): ((من السلمة)).
[16] في (م): ((شجرة)).
[17] في (م): ((قال)).
[18] في (م): ((بالسَّهم)).
[19] زاد في (م): ((أي)).
[20] في (م): ((تغالى)).