شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب دخول المشرك المسجد

          ░82▒ بَابُ: دُخُول المُشْرِكِ المَسْجِدَ.
          فيهِ: أبو هريرة: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ). [خ¦469]
          اختلف الفقهاء في دُخُول المشركِ المسجدَ، فأجازَهُ أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ، إلَّا أنَّ الشَّافعيَّ قالَ: لا يدخلُ المسجدَ الحرامِ خاصَّة، ويدخلُ سائر المساجد، وجَوَّزَهُ أبو حنيفةَ في المسجدِ الحرامِ وسائر(1) المساجد، وأجاز ابنُ مُحَيْرِيْزٍ(2) ومجاهدٌ دُخُول أهل الكتاب في المسجد، وقال أبو صالحٍ: ليس للمشركينَ أن يدخلوا المسجدَ الحرامِ(3) إلَّا خائفين، وقال مالكٌ والمُزَنِيُّ: لا يدخلُ المشركُ كلَّ مسجدٍ أصلًا.
          ورُوِيَ مثلُهُ عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والحُجَّةُ لهم قولُهُ تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ}[الحج:32]، ومِن تعظيم الشَّعائر منعُ الكافرِ دُخُول البيتِ والمساجد كلِّها، وقد اتفقنا على مَنْعِ الجُنُبِ والحائض من دُخُول المسجد لمنعهما مِن القراءة، والكافر(4) أولى بذلك، وحُجَّةُ من أجاز ذلك حديث ثُمَامَةَ، وأنَّ النَّبيَّ صلعم حَبَسَهُ في المسجدِ وهُوَ مُشْرِكٌ.
          قال ابن المنذرِ: في حديث ثُمَامَةَ دُخُول المشرك المسجد وإباحة دُخُول الجُنُبِ فيه، وهو أَوْلى بذلك(5)؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم أخبرَ أنَّ المسلمَ ليس بنجسٍ وممَّا(6) رواه ابن جُرَيْجٍ عن عُثْمَانَ بنِ أبي سُلَيْمَانَ أنَّ مشركي قريشٍ حين أتوا النَّبيَّ صلعم في فداءِ مَنْ أُسِرَ منهم ببدرٍ، كانُوا يَبِيْتُونَ في مسجدِ الرَّسُولِ صلعم، فمنهم: جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، فكان جُبَيْرُ يسمع قراءة النَّبيِّ صلعم وجُبَيْرٌ مُشْرِكٌ، والحُجَّةُ على أبي حنيفةَ في جواز دخولِهِ في المسجد الحرام، قولُهُ تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}(7)[التوبة:28]، وهذا خطابٌ للمؤمنين أن يمنعوهم من المسجد الحرام، وقال أبو حنيفةَ: معناه: لا يقرَبُوه للطَّواف خاصَّةً، وقيل: هو عمومٌ وظاهرُهُ أن لا يقرَبُوه أصلًا.
          فإن(8) قال: هو موضعٌ مِن الحَرَمِ فأشبه سائر الحَرَمِ في جواز دخولهم فيه. قيل: يلزمكم هذا في دخولهم البيت، فإن امتنعوا مِن البيت انتقض تعليلهم وإن جَوَّزُوه فهو قبيحٌ جدًّا، وقد أمر الله تعالى بتعظيم شعائرِه وذلك(9) يُوجِبُ منعهم منه.


[1] زاد في (م): ((وفي)).
[2] في (م): ((محيرز)).
[3] قوله: ((الحرام)) ليس في (م).
[4] في (م): ((فالمشرك)).
[5] زاد في (م): ((من المشرك)).
[6] في (م) و(ص): ((وما)).
[7] زاد في المطبوع و(ص): ((الآية)). قوله: ((عامهم هذا)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((وإن)).
[9] في (م): ((أمر الله بتعظيم شعائر الله وكذلك)).