شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب[فضل المشي إلى المسجد في الليلة المظلمة]

          ░79▒ بَابٌ.
          فيهِ أَنَسٌ: (أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ(1) صلعم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبيِّ صلعم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ، يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا، صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حتَّى أَتَى أَهْلَهُ). [خ¦465]
          قالَ المُؤَلِّفُ: إنَّما ذكر البخاريُّ هذا الحديث في باب(2) أحكام المساجدِ، والله أعلم؛ لأنَّ الرَّجُلين كانا مع النَّبيِّ صلعم وهو موضع(3) جلوسِهِ مع الصَّحابة، فلمَّا كان معه هذان(4) الرَّجُلان في علمٍ ينشرُه أو في صلاةٍ، أكرمهم(5) الله تعالى بالنُّور في الدُّنيا ببركة النَّبيِّ صلعم وفضل مسجدِه وملازمتِه والرَّجُلان هما عَبَّادُ(6) بنُ بِشْرٍ وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ. قال المُهَلَّبُ: وتلك(7) آيةٌ للنَّبيِّ صلعم وكرامةٌ له، وأنَّه خُصَّ(8) في الآيات بما لم يُخصَّ به مَنْ كان قبلَهُ، أن أُعطِيَ أن يكرم أصحابه بمثل هذا النُّور عند حاجتهم إليه، وذلك مِن خرق العادات، وكان يصلح أن يترجم لهذا الحديث بابُ قولِهِ تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُوْرٍ}[النُّور:40]يشير إلى أنَّ الآية عامَّةٌ فيما يُحتملُ أن يستثبت منها المعنى، لا سيَّما وقد ذكر الله النُّور في المشكاة والزُّجَاجَةِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ} الآية[النُّور:36]، فاستدلَّ أنَّ الله تعالى، يجعل لمن يسبِّحُ في تلك المساجد نورًا في قلوبهم، ونورًا في جميع أعضائهم(9) ونورًا بين أيديهم ومِن خلفهم في الدُّنيا والآخرة، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نورٍ، فلمَّا خرجَا مِن عندِ النَّبيِّ صلعم في اللَّيلةِ المُظْلِمَةِ أراهُمْ بركةَ نبيِّهِ وكرامتَهُ بما(10) جعلَ اللهُ لهما مِنَ النُّورِ بين أيديهما يستضيئان به في ممشاهما مع قولِهِ صلعم: ((بَشِّرِ المشَّائِيْنَ في الظُّلَمِ إلى المَسَاجِدِ بالنُّوْرِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ))، فجعل(11) لهم منه في الدُّنيا، ليزدادوا إيمانًا بالنَّبيِّ صلعم مع إيمانهم، ويُوقِنَا أنَّ كذلك يكون مَا وعدهم الله تعالى(12) من النُّور الَّذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوم القيامة بُرهانًا لمحمَّدٍ صلعم على صِدْقِ ما وَعَدَ به أهلَ الإيمان الملازمين للبُيُوت الَّتي(13) أذن اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكر فيها اسمُهُ.


[1] في (ص): ((الرسول)) في الموضعين.
[2] في (م): ((إنَّما ذكر البخاريُّ في أبواب)).
[3] في (م): ((مع النَّبيِّ صلعم في مسجد وهو كان موضع)).
[4] في (م): ((جلوسه مع أصحابه فأمَّا ما كان مع هذان)).
[5] في (م): ((فأكرمهما)).
[6] في (ص): ((عبد الله)).
[7] في (ص): ((وذلك)).
[8] في (م): ((قال المهلب: وذلك آيةٌ للنَّبيِّ ◙ وكرامةٌ)) وبعدها كلام غير واضح لعلَّه ضرب عليه.
[9] قوله: ((ونورًا في جميع اعضائهم)) ليس في (م).
[10] في (م): ((أراهم كرامة نبيِّه)).
[11] في (ص) صورتها: ((يجعل)).
[12] زاد في (م) و(ص): ((به)).
[13] في (م) و(ص): ((الَّذي)).