شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كراهية الصلاة في المقابر

          ░52▒ بَابُ: كَرَاهَةِ(1) الصَّلاةِ فِي المَقَابِرِ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ: قالَ النَّبِيُّ(2) صلعم: (اجْعَلُوا مِنْ صَلاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، لَا(3) تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا). [خ¦432]
          اختلف العلماء في الصَّلاة في المقبرة، فرُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وعليِّ بنِ أبي طَالِبٍ وابنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو أنَّهم كرهوا الصَّلاة في المقبرة، ورُوِيَ عن عَطَاءٍ والنَّخَعِيِّ(4)، وبه قال أبو حنيفةَ والثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ، واختلف فيه قول مالكٍ فروى عنه أبو المُصْعَبِ أنَّه قال: لا أحبُّ ذلك، ورَوى عنه ابنُ القَاسِمِ أنَّه قال: لا بأس بالصَّلاة فيها.
          وكلُّ مَن كره الصَّلاة مِن هؤلاء لا يرى على مَن صَلَّى فيها إعادةً، وقال أهل الظَّاهر: لا تجوز الصَّلاة في المقبرة، وقال(5) ابنُ المُنْذِرِ: وحُجَّة الَّذين كرهوا ذلك قول النَّبيِّ صلعم: ((اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ في بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوْهَا قُبُورًا))، ففي(6) قوله هذا دليلٌ على أنَّ المقبرة ليست بموضعٍ للصَّلاة، وسيأتي ما قيل في هذا المعنى في آخر كتاب الصَّلاة في باب: التَّطوُّعِ في البيتِ إن شاء الله تعالى [خ¦1187].
          وحُجَّة مَن أجاز الصَّلاة فيها قوله صلعم: ((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوْرًا(7)؛ فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ صَلِّيْتُ))، فلم(8) يخصَّ موضعًا مِن موضعٍ، فهو عامٌّ في المقبرة وغيرها.
          قال مالكٌ: وقد بلغني أنَّ بعض أصحاب رَسُولِ اللهِ صلعم كان يُصَلِّي في المقابر، وحكى ابنُ المُنْذِرِ أنَّ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ(9) كان يُصَلِّي في المقبرة غير أنَّه كان لا يستتر بقبرٍ، وصَلَّى الحَسَنُ البصريُّ في المقابر.


[1] في المطبوع: ((كراهية)).
[2] في (ص): ((نبي الله)).
[3] في المطبوع و(م) و(ص): ((ولا)).
[4] في (م): ((وعبد الله بن عمرو وعطاء والنَّخعي أنَّهم كرهوا الصَّلاة في المقبرة)).
[5] في المطبوع و(م) و(ص): ((قال)).
[6] في المطبوع و(ص): ((وفي)).
[7] زاد في (م): ((وقوله)).
[8] في (م): ((ولم)).
[9] في (م): ((الأصقع)).