شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة بين السواري في غير جماعة

          ░96▒ بَابُ: الصَّلاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ أنَّ بلالًا قَالَ: (صَلَّى النَّبيُّ(1) صلعم بَيْنَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ في البَيْتِ). [خ¦504]
          وَقَالَ مَرَّةً: (جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ(2) وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ على(3) سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثمَّ صلَّى). [خ¦505]
          وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: (كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيْبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ). [خ¦506]
          الصَّلاةُ(4) بين السَّواري جائزةٌ(5)، وإنَّما يُكْرَهُ أن يكون الصَّفُّ(6) يقطعُهُ أسطوانةٌ(7) إذا صَلَّوا جماعةً؛ خشية أن يمرَّ أحدٌ بينَ يديهِ، وإن كان الإمامُ سُتْرَةً لمن خلفَهُ، ويُستَحبُّ أن تكون الأسطوانةُ(8) خلف الصَّفِّ أو أمامَهُ(9)، ليستتر بها المُصَلِّي في الجماعة. اختلف(10) السَّلفُ في الصَّلاة بين السَّواري، فأجازَهُ جماعةٌ وكرهَهُ جماعةٌ، فممَّن كرهَهُ: أَنَسُ بنُ مالكٍ، وقال: كُنَّا نتَّقيه على عهدِ رَسُولِ اللهِ صلعم، وقال ابن مَسْعُودٍ: لا تصفُّوا بين الأساطين، وكرهَهُ حُذَيْفَةُ وإبراهيمُ وقالَ إبراهيمُ: لا تُصَلُّوا بين الأساطين وأتمُّوا الصُّفوف(11)، وقالَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةٍ عن أبيهِ: رآني عُمَرُ وأنا أُصَلِّي بينَ أسطوانتَين، فأخَذَ بقَفَاي فأدناني إلى سُتْرَةٍ وقالَ: صَلِّ إليها، وأجازَهُ الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ، وكان سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ وإبراهيمُ التَّيْمِيِّ وسُوَيْدُ بنُ غَفْلَةٍ يؤمُّون قومَهُمْ بينَ أسطوانتَين، وهو قول الكوفيين، وقال مالكٌ في «المدوَّنة»: لا بأس بالصَّلاة(12) بين الأساطين لضيق المسجد، قالَ ابنُ حَبِيْبٍ: وليس النَّهْي عن تقطيع الصُّفوف إذا ضاق المسجد، وإنَّما نُهِيَ عنه إذا كان المسجد واسعًا. وفيه: أنَّ أكثر ما وُجِدَ في المسنَدِ(13) مِن المقدار الَّذي يكون بينَ المُصَلِّي وبين سُتْرَتِهِ ثلاثةُ أذرعٍ إلَّا أنَّ الَّذي واظب عليه رَسُول الله صلعم في مقدار ذلك ممرُّ الشَّاة على ما تقدَّم مِن الآثار، وصلاتُهُ صلعم في البيتِ كان مَرَّةً، وقد أمرَ صلعم(14)، بالدُّنوِّ(15) مِنَ السُّتْرَةِ لئلَّا يتخلَّل الشَّيطانُ ذلك.


[1] في (ص): ((الرسول)).
[2] زاد في (م): ((من)).
[3] قوله: ((على)) ليس في (م).
[4] في (م): ((قال الصَّلاة)). في(ص): ((والصلاة)).
[5] في (م): ((جائز)).
[6] في (م) صورتها: ((النِّصف)).
[7] في (م): ((سارية)).
[8] في (م): ((السَّارية)).
[9] في (م): ((الصَّفِّ وأمامه)).
[10] في (م): ((وقد اختلف)).
[11] قوله: ((وقال إبراهيم: لا تصلُّوا بين الأساطين وأتمُّوا الصفوف)) ليس في (م).
[12] في (م): ((في الصَّلاة)).
[13] في (ص) تحتمل: ((المسجد)).
[14] في المطبوع و(م) و(ص): ((وقد تقدَّم أمره ◙)).
[15] في (م): ((وقد أمر ◙ المُصَلِّي أن يدنو)).