شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نوم المرأة في المسجد

          ░57▒ بَابُ: نَوْمِ المَرْأَةِ فِي المَسْجِدِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ: أنَّ وَلِيْدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا(1)، فَمَرَّتْ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ(2): فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ(3): فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: قُلْتُ(4): هَذَا الَّذي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ(5) وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ(6)، قَالَتْ: فَجَاءَتْ إلى رَسُولِ اللهِ(7) صلعم فَأَسْلَمَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي المَسْجِدِ _أَوْ حِفْشٌ_ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي، قَالَتْ: فَلا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ:
وَيَـوْمَ الوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبـِّنَـا                      أَلا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْـرِ أَنْجَانِـي
          [خ¦439]
          قال المُهَلَّبُ: فيه أنَّه مَن لم يكن له مسكنٌ ولا مكان مبيتٍ أن(8) يُباح له المبيت في المسجد واصطناع الخيمة وشبهها للمسكن، امرأةً كانت أو رجلًا.
          وفيه: أنَّ السُّنَّة الخروج مِن(9) بلدةٍ جرت فيها فتنةٌ على الإنسان تشاؤمًا بمكان المِحن، ودليل هذا قوله ╡: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}[النساء:97]، فالواجب على كلِّ من أدركته ذِلَّة أو جرتْ عليه محنةٌ أنْ يخرج إلى ما وسَّع الله عليه مِن الأرض، فإنَّ له في ذلك خيرُه، وربَّما(10) كان الَّذي جرى عليه مِن المحنة سببًا أراد الله سبحانه به إخراجه مِن تلك البلدة لخيرٍ قدَّره له في غيرها كما قدَّر لهذه السَّوداء، أَلا ترى تمثُّلها بهذا المعنى في بيت الشِّعر الَّذي أنشدته، فجعلت المحنة والذِّلة / في يوم الوِشَاحِ هما الَّذي أنجياها مِن الكفر؛ إذ كانا سبب ذلك(11).
          والوِشَاحُ عند العرب خَيْطَانِ مِن لُؤلُؤ مخالفٌ بينهما تَتَوشَّحُ به المرأة، والرَّجُل يتوشَّحُ بثوبه تشبيهًا(12) بالوِشَاحِ، وشَاةٌ موشَّحَةٌ إذا كانت ذات خطَّتين، والسَّير: الشِّراك، والجمع: سُيُورٌ، من(13) «العين». والحِفْشُ: البيتُ الصَّغيرُ، مِن «العين» أيضًا(14).


[1] قوله: ((أو وقع منها)) ليس في (م).
[2] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[3] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[4] في المطبوع و(م): ((فقلت)).
[5] قوله: ((زعمتم)) ليس في (م).
[6] قوله: ((وهو ذا هو)) ليس في (م).
[7] في (م): ((فجاءت النَّبي)).
[8] في المطبوع: ((أنَّه)).
[9] في (م): ((عن)).
[10] زاد في (ص): ((قد)).
[11] في المطبوع و(ص): ((سببًا لذلك)).
[12] في (م): ((تشبهًا)).
[13] في (م): ((كتاب)).
[14] قوله: ((من العين أيضًا)) ليس في (م).