شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب

          ░53▒ بَابُ: الصَّلاةِ فِي مَوَاضِعِ(1) الخَسْفِ وَالعَذَابِ.
          وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا كَرِهَ الصَّلاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبيَّ(2) صلعم قَالَ: (لا تَدْخُلُوا على هَؤُلاءِ المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ(3) لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ). [خ¦433]
          قال المُهَلَّبُ: إنَّما هذا مِن جهة التَّشاؤم بالبقعة الَّتي نزل بها سَخط الله ╡ يدلُّ على ذلك قوله(4): {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}[إبراهيم:45]، فوبَّخهم تعالى(5) على ذلك، وكذلك تشاءَم ◙ بالبقعة الَّتي نام فيها عنِ الصَّلاة ورَحل عنها ثمَّ صَلَّى، فكراهية الصَّلاة في موضع الخسف أَوْلَى، إلَّا أنَّ إباحته صلعم الدُّخول(6) فيه(7) على وجه البكاء والاعتبار يدلُّ أنَّ مَن صَلَّى هناك لا تفسد صلاته؛ لأنَّ الصَّلاة موضع بكاءٍ وخُشُوعٍ وتضرُّعٍ(8) واعتبارٍ، فإنْ صَلَّى هناك غيرَ باكٍ لم تبطل صلاته، وذكر بعض أهل الظَّاهر أنَّ مَن صَلَّى في الحِجْرِ بلاد ثمودَ وهو غير بَاكٍ فعليه سُجُود السَّهو إن كان ساهيًا، وإن تعمَّد ذلك بطلتْ صلاته، وكذلك مَن صَلَّى في موضع مسجد الضِّرَار، وهذا(9) خُلُفٌ مِن القول لا(10) خفاء بسقوطه، إنْ كان لا يجوز عنده فيه صلاة من تعمَّد ترك البكاء، فكيف أجاز صلاة السَّاهي بعد سُجُود السَّهو، وإسقاط الواجبات لا تُجبَرُ بسُجُود السَّهو عند العلماء، وهو(11) تخليطٌ منه، فقد بيَّن النَّبيُّ صلعم في الحديث(12) معنى نهيه عن دُخُول مواضع الخسف لغير الباكي وهو قوله(13): (لَا يُصِيْبُكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) وليس في هذا ما يدلُّ على فساد صلاة مِن لم يبكِ، وإنَّما فيه خوف نُزُول العذاب به، وتسويته بين الصَّلاة في موضع مسجد الضِّرَارَ بالصَّلاة(14) في موضع الخسف ليس في هذا الحديث، وهو قياسٌ فاسدٌ منه(15)، وهو لا يَقول بالقياس(16) فقد تناقض.


[1] في (م) و(ص): ((موضع)).
[2] في (ص): ((نبي الله)).
[3] في (ص): ((وإن)).
[4] زاد في (م): ((تعالى)).
[5] في (م): ((فوبخهم الله تعالى)).
[6] في المطبوع و(ص): ((إلَّا أن إباحة الدخول)).
[7] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[8] في المطبوع: ((وتضيع وخشوع)). في (ص): ((تضرع وخشوع)).
[9] صورتها في (م): ((وهد)).
[10] صورتها في (ز): ((إلَّا)).
[11] في (م): ((وهذا)).
[12] قوله: ((في الحديث)) ليس في (م).
[13] زاد في (م): ((◙)).
[14] في (م): ((والصَّلاة)).
[15] قوله ((منه)) ليس في (م).
[16] زاد في (م): ((الصَّحيح)).