شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب في كم تصلي المرأة في الثياب

          ░13▒ بَابُ: فِي كَمْ تُصَلِّي المَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟
          وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ جَازَ.
          فيهِ: عَائِشَةُ قَالَتْ: (لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيَشْهَدُ(1) مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ المُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثمَّ يَرْجِعْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ، مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ). [خ¦372]
          اختلف العلماء في عدد ما تُصَلِّي فيه المرأةُ مِنَ الثِّيابِ، فقالت طائفةٌ: تُصَلِّي في دِرْعٍ وخِمَارٍ، ورُوِيَ(2) ذلك عن مَيْمُوْنَةَ وعَائِشَةَ(3) وأُمِّ سَلَمَةَ أزواجِ النَّبيِّ صلعم، ورُوِيَ أيضًا ذلك(4) عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وهو قول مالكٍ واللَّيثِ والأوزاعيِّ والثَّوْرِيِّ وأبي حنيفةَ والشَّافعيِّ، وقالت طائفةٌ: إنَّما(5) تُصَلِّي في ثلاثةِ أثوابٍ: دِرْعٌ وخِمَارٌ وحَقْوٌ، وهو الإزَارُ في لغةِ الأنصارِ، رُوِيَ ذلك عن ابن عُمَرَ وعُبَيْدَةَ وعَطَاءٍ، وقالت طائفةٌ: تُصَلِّي في أربعةِ أثوابٍ وهو(6): الخِمَارُ والدِّرْعُ والإزَارُ والمِلْحَفَةُ، ورُوِيَ ذلك عن مجاهدٍ وابن سِيرِينَ.
          وقال ابنُ المُنْذِرِ: على المرأةِ أنْ تَسْتُرَ(7) في الصَّلاةِ جميعَ بَدَنِها سوى وجهها وكفَّيها سواءٌ سترته بثوبٍ واحدٍ أو أكثر، ولا أحسب ما رُوِيَ عنِ المتقدِّمين في ذلك مِنَ الأمر بثلاثةِ أثوابٍ أو أربعةٍ إلَّا مِن طريق الاستحباب، والله أعلم.
          قال غيرُهُ: لأنَّ صلاةَ النِّساءِ المُتَلَفِّعَاتِ مع النَّبيِّ صلعم يحتمل أن تكون بثوبٍ واحدٍ والمرأةُ كلُّها عَوْرَةٌ، حاشَا ما يجوز لها كَشْفُهُ في الصَّلاةِ والحجِّ، وذلك وجهها وكفَّاها فإنَّ المرأة لا تلبس القفَّازين مُحْرِمَةً، ولا تنتقب في الصَّلاةِ ولا تتبرقع في الحجِّ، وأجمعوا أنَّها لا تُصَلِّي مُنتقبةً ولا مُتبرقعةً، وفي هذا أوضح دليلٍ على أنَّ وجهها وكفَّيها ليس بعَوْرَةٍ، ولهذا يجوز النَّظر إلى وجهها في الشَّهادة عليها، وقال أبو بَكْرٍ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: كلُّ شيءٍ مِنَ المرأة عَوْرَةٌ حتَّى ظُفْرُها، وهذا قولٌ لا نَعْلَمُ أحدًا قاله إلَّا أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: قَدَمُ المرأةِ عَوْرَةٌ، فإنْ صَلَّتْ وقَدَمُهَا مَكْشُوفَةٌ أعادَتْ في الوقتِ عند مالكٍ، وكذلك إنْ صَلَّتْ وشَعْرُها مَكْشُوفٌ، وعند الشَّافعيِّ تُعِيْدُ(8) أبدًا، وقال أبو حنيفةَ والثَّوْرِيُّ: قَدَمُ المرأةِ ليسَتْ(9) بعَوْرَةً، فإنْ صَلَّتْ وقَدَمُها(10) مَكْشُوفَةٌ لم تُعِدْ، واختلفوا في تأويل قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور:31]، فرُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ وابنِ عُمَرَ قالا: الوجهُ والكفَّان، وعن ابن مَسْعُودٍ: التُّبَّانُ والقُرْطُ والدُّمْلُجُ والخَلْخَالُ والقِلَادَةُ، و على قول ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عُمَرَ جماعة الفقهاء. والمُرُوْطُ: أَكْسِيَّةٌ مِنْ صُوْفٍ، واحدُها مِرْطٌ.


[1] في (ص): ((ويشهد)).
[2] في (م): ((روس)).
[3] في (م): ((عائشة وميمونة)).
[4] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[5] قوله: ((إنَّما)) ليس في (م).
[6] في (م): ((وهي)).
[7] في (ص): ((تستتر)).
[8] في (م): ((أعادت)).
[9] في (م): ((ليس)).
[10] في (ص): ((وهي)).